من ثلاثة أشهر انتقل إمام مسجدنا إلى منطقة أخرى نظراً لشرائه بيتا جديدا، بعد أن قضى معنا أكثر من خمس وعشرين سنة. أدينا صلاة الجمعة معه في مسجده الجديد، لاحظنا أنه اختصر وقت الخطبة إلى أقل من خمس عشرة دقيقة!! بعد الصلاة أصر علينا أن نزوره في منزله، جلسنا في حديقة المنزل المطلة على طريق رئيس.

– نرى أن الخطبة أصبحت قصيرة.

قالها (أبو ناصر) مازحاً: ابتسم شيخنا ولم يرد.

كان موضوع الخطبة تدبر آيات القرآن التي فيها صفات الله -عز وجل- سأل (بوخالد).

– في (آية النور) الله نور السموات والأرض.

أخذ يقرأ الآية من هاتفه النقال، هل نستطيع أن نقول: إن من صفات الله أنه (نور السموات والأرض) وأن من أسمائه (النور)؟

– أولاً، لا يمكن أن نشتق من هذه الآية اسم (النور) لله -عز وجل- فليس من الاسماء الحسنى (النور).

– ثانياً، نعم من صفات الله -عز وجل- أنه (نور السموات والأرض)، ولكن يجب أن نفهم المعنى؛ وذلك أن كل نور حسي أو معنوي في السموات والأرض؛ فإنما هو من الله -عز وجل- فمعنى نور السموات والأرض، أي: (منورهما) بكل أنواع النور -سبحانه-، ثم في هذه الآية يعطى الله مثالا حسيا لنوره في قلب المؤمن، المشكاة. أي التجويف أو (الكوة) التي فيها مصباح يوقد من أنقى زيت، نور الإيمان مع نور الهداية، والتوفيق (نور على نور) الذي يمنُّ به على من يستحق من عباده بعلمه -سبحانه وتعالى- وتنتهي الآية باسم من الأسماء الحسنى، وهو (العليم) -سبحانه وتعالى.

– حقا يحتاج المرء أن يتدبر هذه الآيات.

– بصراحة لم أكن أعلم معنى (السموات والأرض).

– وماذا عن (بديع السموات والأرض)؟

– ورد هذا اللفظ في آيتين من كتاب الله، في سورة البقرة: {بديع السموات والأرض إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}(117)، وفي سورة الأنعام: {بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم}(101).

ومعنى (بديع السموات والأرض) مبدعهما، أي موجودهما لا على مثال سابق، وهذه من صفات الله -عز وجل- وليس من أسمائه (المبدع) -عز وجل.

– تحضرني آية أخرى في السياق ذاته، وهي قوله -سبحانه وتعالى-: {فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة}.

– هذه من سورة يوسف، ولكن هذه الصفة لله وردت ست مرات في كتاب الله، وهي: {قال أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين}(الأنعام: 14)، {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين}(يوسف: 101)، {قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين}(إبراهيم: 10)، {الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير}(فاطر: 1)، {قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون}(الزمر: 46)، {فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(الشورى: 11). وهنا ينبغي أن نعرف المعنى، حتى نكون على بينة من هذه الصفة العظيمة لله -سبحانه وتعالى-؛ فمن يخبرنا بمعنى (فاطر)، سكت الجميع؛ فابتسم شيخنا وقال: اسمعوا إذاً.

فطر الشيء، شق الشيء فأوجده، والمعنى (فاطر السموات والأرض) منشئهما بالتركيب الذي سبيله أن يحصل فيه الشق والتأليف عند ضم الأشياء إلى بعض، كما في قوله -تعالى-: {أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}(الأنبياء: 30).

     فمن صفات الله -عز وجل- (فاطر السموات والأرض) وليس من أسمائه (الفاطر)، ومن صفاته -عز وجل- أنه (يطعم ولا يُطعم)، وليس من أسمائه (الطاعم)، ومن صفاته أنه (جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) -سبحانه وتعالى- وليس من أسمائه (الجاعل) ومن صفاته -سبحانه- (عالم الغيب والشهادة) وليس من أسمائه (العالم)، وإنما (العليم)، ومن صفاته أنه (علام الغيوب) كما في قوله -تعالى-: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب}(المائدة: 109)، وقوله -سبحانه-: {ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب}(التوبة: 78)، وليس من أسمائه (العلاَّم) بل (العليم) -سبحانه وتعالى.

– ملاحظات جميلة، ينبغي أن ينتبه لها المسلم وهو يقرأ كتاب الله -عز وجل.