كانت إجازة نهاية العام أربعة أيام ابتداء من الجمعة، اتفقنا أن نخرج يوم السبت إلى الصحراء (البر)، نقضي يوما كاملا بعيدا عن الحياة المدنية، استخدمنا أربع مركبات ذوات الدفع الرباعي، كان دليلنا (خالد) زوج ابنتي؛ لأنه أكثرنا خبرة بأمور التخييم والرحلات البرية، بعد قرابة الساعة أدركنا المكان الذي يريد أذنت لصلاة الظهر، أدينا الصلاة، أعددنا المجلس، كنا بانتظار انتهاء طهي الطعام.

– هل يجوز أن نصف الله بـ(الصبر)؟

– تعلمون أن القاعدة في أسماء الله وصفاته، أن نصف الله بما وصف به نفسه، دون تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، فما ثبت في القرآن أو السنة نؤمن به، كما جاء، ولقد ثبت في الحديث، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله -عز وجل-؛ إنه يُشرك به، ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم» (البخاري ومسلم)، والصبر لغة هو نقيض الجزع.

علق (أحمد):

– و(الصبور) من أسماء الله الحسنى، لدينا مستشار قانوني اسمه عبدالصبور.

– من أين علمت أن (الصبور) من الأسماء الحسنى يا أحمد؟

– هذا الاسم منتشر ومعروف، بأنه من الأسماء الحسنى، وأرجو ألا أكون مخطئا.

– بل أنت مخطئ، ليس من أسماء الله الحسنى (الصبور) كما أن (المحيي) ليس من الأسماء الحسنى وكذلك (المحصي) مع أن هذه الأسماء وغيرها منتشرة بين الناس، وكثير منهم يتسمى بـ(عبدالمحيي) و(عبدالصبور).

– أستغفر الله، وأتوب إليه، حقا ينبغي علينا تعلم الأسماء الحسنى حتى نحسن التأدب مع الله.

     ولكن من صفات الله -عز وجل- (الصبر)، وصبره -عز وجل- يليق به سبحانه وليس كصبر البشر، وبيّن معناه الرسول –صلى الله عليه وسلم– في الحديث الصحيح، فنثبت الصفة، ونؤمن بها، دون تشبيه، ولا نشتق من هذه الصفة اسما، كما في صفات الله -عز وجل- جميعها؛ فسبحانه (يحيي ويميت)، دون شك ولكن ليس من أسمائه (المحيي) ولا (المميت).

كان الحضور ينصت باهتمام.

يبدو أنه من الأفضل لنا ألا نستعجل في هذا العلم؛ لأنه يتعلق بالله -عز وجل-، والخطأ فيه محظور.

– هل هناك صفة أخرى لله ربما لا نعرفها، تبينها لنا؟

– من صفات الله (الغيرة).

– الغيرة؟ قالها أحمد مستغربا.

– نعم (الغيرة)، ولكن ليس كغيرة البشر، وذلك أن القاعدة أننا نصف الله بما وصف به نفسه، دون تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل، كما يليق بجلاله وعزته -سبحانه وتعالى-؛ ففي الحديث قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله -تعالى- يغار، وغيرة الله -تعالـى- أن يأتي المرءُ ما حرم الله عليه»، متفق عليه، وفي رواية البخاري: «لا شيء أغير من الله»، وفي حديث آخر قال –صلى الله عليه وسلم-: «يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أنه يزني عبده أو تزني أمته».

     وعن المغيرة بن شعبة قال: بلغ رسول الله –صلى الله عليه وسلم– أن سعد بن عبادة يقول: «-بعد أن بلغه طلب الشهود في واقعة الزنا-: لو وجدت معها رجلا لضربتها بالسيف غير مصفح، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: أتعجبون من غيرة سعد؟ أنا أغير من سعد والله أغير مني؛ ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله ولا أحب إليه المعاذير؛ ولذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين ولا شخص أحب إليه المدح من الله؛ لذلك وعد الجنة» مسلم.

– سبحان الله! والله ما كنت أعلم أنه يجوز أن نصف الله بالغيرة.

– لذلك ينبغي أن يتعلم المرء صفات الله من كتاب الله وسنة الرسول –صلى الله عليه وسلم– وهذا أشرف العلوم؛ لأنه متعلق برب العزة -سبحانه وتعالى.

– هل لك أن تشرح لنا زيادة في (غيرة الله) -عز وجل؟

– نعم (غيرة الله) من صفاته -سبحانه- الفعلية؛ لأنها متعلقة بسبب وبالطبع عندما ضرب الرسول –صلى الله عليه وسلم– مثلا أنه (أغير) من سعد بن معاذ، وأن الله أغير منه –صلى الله عليه وسلم-، فليس للمقارنة؛ لأنه لا مجال لمقارنة صفات الله، بصفات أي أحد من الخلق حتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وإنما للبيان، وغيرة الله تتضمن البغض والكراهية لما يغار منه والحديث جمع بين ما يبغضه الله وما يحبه؛ فإنه -سبحانه- يكره ويبغض الفواحش والقبائح ويحب اعتذار العبد وأسفه وندمه، ويقبل منه الأعتذار والندم؛ فإن فعل العبد ذلك لم يؤاخذه على وقوعه فيما يكره -سبحانه وتعالى-؛ فالمعنى أن الله -عز وجل- يغار علـى خلقه من المفسدين؛ ولذلك حرم الفواحش وشرع أشد العقوبات حفاظا على خلقه، وردعا للمفسدين، حتى لا تقع الفواحش بين خلقه -سبحانه وتعالى.