أبلغني أحد المسؤولين في وزارة الأوقاف أن صلاة الجمعة ستتوقف في مسجدنا لإجراء صيانة «جذرية» في المسجد، كانت آخر جمعة صليناها في بداية شهر مارس، ومنذ ذلك الوقت -وقد مر شهر كامل- لم يستقر أمري على كيفية قضاء صبيحة الجمعة، في إحد هذه الجمع دعاني صاحبي لتناول الفطور في أحد المطاعم وسط البلد، وافقت، وهذه أول مرة في حياتي أتناول فطور الجمعة خارج المنزل، كانت تجربة جميلة، خرجنا تمام الثامنة، كنا هناك خلال نصف ساعة، جُهزت مائدتنا قبل التاسعة.

– منذ متى وأنت تكتب في قضايا العقيدة؟

– أظن منذ استقر مقامي في البلد قبل أربع وثلاثين سنة، بل لم أكتب إلا في العقيدة، بفضل الله.

لم يعلق صاحبي إلا:

– ما شاء الله.

     مهما كتب المرء، وقرأ، ونشر، وبيّن، وخطب، في العقيدة فإن الموضوع يبقى بحاجة إلى مزيد، دائما تجد من يحلف بغير الله، ومن يعتقد في الأولياء، ومن يزور اأضرحة وينذر لها ويذبح عندها،  ومن يعتقد في الأبراج، ومن يؤمن بالأحجار الكريمة، ومن ينسب الضر والنفع إلى غير الله، ومن يعتقد بأن بعض المخلوقات تتصرف في الكون، ومن يؤمن أن النجاة يوم القيامة بيد مخلوق، من نبي أو إمام أو ولي، هذه القضايا الشركية وغيرها لا تنتهي في مجتمعاتنا وذلك لقصر الفهم في العقيدة الصحيحة.

كانت المائدة مليئة -بفضل الله- بما لذ وطاب من أنواع الإفطار الساخن والبارد.

– لو طلبت منك أن تضع لي خطوطاً حمراء؛ بحيث إذا لم يتخطاها العبد يكون في منجى من الوقوع في الشرك، والخروج من ملة الإسلام؛ لأن الله قال: {نَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا‏} (النساء:48).

– سأجتهد إن شاء الله.

– أولا: لا ينبغي صرف عبادة لغيرة الله، ولا سيما الدعاء، والنذر والذبح، لا يمكن أن أقبل عقيدة فيها دعوة أن يكون ذبح أو نذر لضريح، مهما كان صاحب الضريح، سواء كان رسولا، أم نبيا، أم وليا، أم إماما، أم غير ذلك، إن الدعوة لزيارة الأضرحة والاعتقاد بأنها تنفع ولو بإذن الله كما يقولون، والتقرب لها، رجاء نفعها، أعظم ما يقع في عالمنا الإسلامي؛ لذا فإن من تربى على هذه الأمور ينبغي أن يغير عقيدته؛ لأنها عقيدة تؤدي إلى الشرك بالله عز وجل.

– ثانيا: لا ينبغي الاعتقاد في الأشخاص، بمعنى لا ينبغي صرف شيء من صفات الله، أو مما اختص الله به نفسه إلى نبي مرسل، ولا إمام، ولا إلى ولي مقرب، الله -تبارك وتعالى- خالق كل شيء، اختص، بأسماء وصفات: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11)، فلا أحد يملك شيئا اختص الله به نفسه، يقول الله -عز وجل- مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم  وهو أحب الخلق إلى الله، وأعظمهم مكانة عند الله، وأقربهم منزلة لله، وأخشى الخلق لله، وأعلم الخلق بالله، كما قال  صلى الله عليه وسلم : «والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له» متفق عليه، ومع ذلك يقول الله له: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (آل عمران:128).

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص:56).

{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر:65).

{وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} (الإسراء:74-75).

وآيات أخرى تبين أن المغفرة بيد الله، والتوبة بيد الله، والجنة بيد الله، وكذلك النار، وأن الجميع يحتاج إلى التثبيت من عند الله، وأن الشفاعة يوم القيامة بيد الله -تعالى- لا يملكها أحد على الإطلاق إلا أن يأذن الله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (البقرة:253)، ولذلك لا ينبغي صرف شيء مما اختص الله به نفسه لغير الله، بمعنى: لا ينبغي أن يتعلق القلب بأن شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم  ينقذ يوم القيامة، بل يرجو العبد أن يتكرم الله عليه فيجعله فيمن يشفع له محمد  صلى الله عليه وسلم ، ويجعله فيمن يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يكون بالأماني، وإنما بالعمل بسنته  صلى الله عليه وسلم  واتباع هديه وتعظيم شريعته، وهذه هي علامات الحب الكبرى، ثم الصلاة عليه دائما صلى الله عليه وسلم ، وتقديم حبه على حب غيره من البشر.

وللحديث بقية إن شاء الله