كان لدينا في جزيرة فيلكا مزار يقال: إنه أثر لرجل (الخضر)، الذي ورد ذكره أنه ذلك الرجل الصالح الذي أمر الله موسى أن يتبعه ويتعلم منه كما في سورة الكهف: { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } (65-66).

– من أين أتت تسمية هذا الرجل بـ(الخضر)؟

– من قراءاتي أن النبي (الخضر) هو إليا بن ملكان بن عامر بن شالح بن أرفخشد  بن سام بن نوح، وسبب تسميته بالخضر لأنه إذا اخضرت الأرض من حوله، أو لأنه يلبس الأخضر من الثياب، أو لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت، وأيا كان سبب التسمية أو الشخص، نعلم جميعاً أن موسى بن عمران -عليه السلام- خير منه وأعلى منزلة عند الله؛ فهو من أولي العزم من الرسل، والخضر أو الولي الصالح الذي اتبعه لا يعدو إلا أن يكون نبيا في أفضل الحالات.

– وهل زرت المقام الذي ينسب للخضر في (فيلكا)؟

– نعم، أظن أكثر من مرة وكانت من الرحلات البحرية الممتعة لنا في صغرنا، أذكر أننا في  إحدى الرحلات اجتمعنا أكثر من خمس عوائل نقلنا بوم كبير إلى الجزيرة؛ حيث رأيت (أم معاذ) لأول مرة، وتزوجنا بعد خمس عشرة سنة!

– إذاً لك ذكريات جميلة مع مقام الخضر.

لم أعلق على مقولة صاحبي.

– الذي أذكره جيدا أنه كان هناك قبر (سعيد وسعيدة) بجانب مزار الخضر، وكان الكثير يحرصون على زيارة هذا المقام لقضاء الحاجات والبرء من العاهات، وكانت النساء اللاتي يردن الإنجاب يذهبن إلى المقام فيقمن بتلطيخ جدار المقام بالحناء حتى إذا جفت الحناء تأكلها المرأة للتبرك والعلاج، وتقوم بعض النسوة بتعليق قطعة من القماش الأخضر لمدة ثلاثة أيام لتمنع عنهن نكبات الدهر.

كنت وصاحبي المصري نتمشى بعد أداء صلاة العشاء كعادتنا لمدة ساعة واحدة.

– وماذا حصل لهذا المزار؟

– هدمته الحكومة في أوائل الثمانينيات، وطبعا كالعادة في مثل هذه الأحداث تجمهر الناس حول المزار ينتظرون ما سيحصل لمن يباشر هدمه، يروي لي أحد شهود العيان أنه عند هدم المزار حضر مختار الجزيرة (أحمد خلف) وعندما اقترب الحفارة للهدم تعطلت، فاعتقد الناس أنها من لعنة المزار ثم ما لبث أن عملت مرة ثانية، وأزيل الأثر، ولم يحصل أي مكروه لأحد، بل أزيل مظهر من مظاهر الشرك بالله من تلك البقعة في الكويت.

– الغريب في الأمر، أن الناس يتعلقون بأماكن وأشياء، ويزداد تعلقهم بل يصل إلى درجة العقيدة واليقين، فإذا أزيلت تركوا الأمر ونسوه، وكأن شيئا لم يكن.

– هذا من عمل الشيطان يحبب الناس إلى الشرك والنذر لغير الله، والتعلق بغير الله، والتقرب إلى غير الله، بل والخوف منهم، ومن غضبهم كل هذا من تزيين الشيطان لبني آدم، وربما لا يكون في القبر شيء، أو ربما يكون قبر رجل بسيط، أو قبر حيوان، وتبدأ المسألة ربما برجل أو اثنين ثم تصبح مزارا لأمة من الناس.

– ولدينا من ذلك شيء كثير في مصر، مزارات، ومقامات، وأضرحة وقبور، ولا شك أن أكبرها (السيدة زينب) و(الحسين)، وما يحزنني أن الفقراء من الناس ومن لا يملكون إلا قوت يومهم يشترون النذور من خراف أو بقر ويقطعون المسافات بالقطار، ليذبح عند القبر وفاء لنذره، إن شفي ابنه أو أنجبت امرأته أو تزوجت ابنته، ويزين بعض (العلماء) للناس هذا العمل، ويقولون: إنهم لا يريدون الميت في القبر ولكن يريدون التقرب إلى الله، ويأتي السؤال البدهي المنطقي: لماذا لم يذبحوا في أماكنهم؟، ولماذا يريدون التقرب إلى صاحب القبر؟ وهنا يأتي قول الله تبارك -وتعالى-: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر:13-14).

– لا شك أن أكثر الناس من العوام الذين يحتاجون من يبين لهم ويرشدهم إلى الحق، وأن هذه الأعمال من النذر للقبور والذبح لها والاعتقاد بأن الأموات يجلبون نفعا أو يدفعون ضرا -ولو بإذن الله- هذا شرك أكبر، يخرج الإنسان من ملة الإسلام، ويقع تحت قول الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ} (النساء:116).

– أعتقد أن المسؤولية العظمى تقع على العلماء وطلبة العلم، ولك أن الذين ينكرون هذه الأمور هم القلة في عالمنا الإسلامي، والغالبية العظمى ممن يتصدرون المجالس لا ينكرون على العامة تعظيم القبور وزيارة الأضرحة للتبرك بها والنذر والذبح عندها وربما المبيت بجوارها، لذلك ترى أن الأضرحة سواء كانت أضرحة لأولياء صالحين، أوم أضرحة لمجهولين غير معروفين منتشرة في العالم الإسلامي، من أندونيسيا شرقا إلى المغرب غربا، وتكثر في بعض البلاد عن غيرها مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر علياًّ رضي الله عنه ألا يدع قبرا مشرفا إلا سواه، ففي صحيح مسلم عن حيان بن حصين قال: قال لي علي رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته.

     إن المنهج الصحيح للدعوة إلى الله أن يحارب الشرك بكل أنواعه أولا، هذه هي دعوة الرسل جميعا، وألا يتعلق العبد إلا بالله، ولا يسجد إلا لله، كذلك يجب ألا يذبح تعبدا إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يرجو النفع إلا من الله، ولا يأمل دفع الضر إلا من الله، يجب أن تكون دعوة العامة إلى هذه الأصول أولا وثانيا وثالثا ودائما، مع العبادات والأخلاق وقبلها وبعدها ويجب الإنكار على من يقع فيها.