استكمالاً لما بدأناه في الحلقة الماضية من الحديث عن الاستغاثة بغير الله نقول إن المشركين بالرغم من لجوئهم إلى الله في الشدائد، وأنهم ما كانوا يعبدون الأصنام اعتقادا بقدارتهم ونفعها وضرها، وإنما بوصفها واسطة إلى الله؛ لأن بعض الأصنام كانت رموزا لأشخاص صالحين وأولياء متقين، ومع كل هذا حكم الله بكفرهم وخلودهم في النار، وبعث فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم لينتهوا من اتخاذ شيء واسطة إلى الله فيتقربون إليها بغية الوصول إلى الله.

سألني مستغربا:

– هل كانت الأصنام حقا تمثل رموزا لأشخاص صالحين؟! وربما أولياء متقين؟ كنت أظنها مجرد حجارة على هيئة بشر.

– نعم هكذا كانت الأصنام، ألا تعرف كيف بدأت عبادة الأصنام عند العرب وفي مكة خصوصا؟!

-كلا.

– دعني أحدثك بها ونحن في طريقنا إلى الشاليه لنستعد لصلاة المغرب.

الذي جلب الأصنام إلى بلاد العرب هو عمرو بن لحي، واسمع قصته:

     عمرو بن لحي كان من خزاعة، وكان سيد مكة، وبالتالي كان من سادات العرب، يعد أول من غير دين إبراهيم الحنيف الذي كان يقوم على توحيد الله؛ حيث إنه أدخل الأصنام لتعبد من دون الله بالجزيرة العربية. قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم «رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار» يعني أمعاءه.

     حين قدم عمرو بن لحي بلاد الشام فرآهم يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، استحسن ذلك وظنه حقاً، وكانت الشام آنذاك محل الرسل والكتب السماوية، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: ألا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنماً فجلبه معه. وأما صنم هبل فكان لبني كنانة وقريش.

وقد ذُكر عنه أنه كان له رئي من الجن، فأخبره أن أصنام قوم نوح -ودًا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا- مدفونة بجدة، فأتاها فاستثارها، ثم أوردها إلى تهامة، فلما جاء الحج دفعها إلى القبائل، فذهبت بها إلى أوطانها‏.

     فأما ود‏:‏ فكان لكلب، بجرش بدومة الجندل من أرض الشام مما يلي العراق. وأما سواع‏:‏ فكانت لهذيل بن مُدْرِكة بمكان يقال له‏:‏ رُهَاط من أرض الحجاز، من جهة الساحل بقرب مكة. وأما يغوث‏:‏ فكان لبني غطيف من بني مراد، بالجُرْف عند سبأ. وأما يعوق‏:‏ فكانت لهمدان في قرية خيوان من أرض اليمن، وخيوان‏:‏ بطن من همدان. وأما نسر‏:‏ فكان لحمير لآل ذي الكلاع في أرض حمير‏.

     وهكذا انتشرت الأصنام في جزيرة العرب حتى صار لكل قبيلة منها صنم، ولم تزل تلك الأصنام تُعبد من دون الله، حتى جاء الإسلام، وبُعث محمد بن عبدالله  صلى الله عليه وسلم ، فقام بتطهير البيت الحرام من الأصنام، وبعث السرايا لهدم البيوت التي أقيمت للأوثان، فبعث خالد بن الوليد لهدم بيت العزى وهي الطاغوت الأعظم لدى قريش بمنطقة نخلة، وبعث سعد بن زيد لهدم بيت مناة التي كانت على ساحل البحر الأحمر، وبعث عمرو بن العاص إلى سواع التي تعبدها هذيل، فهدمت جميعها