أظنني كنت دون السابعة من عمري، عندما ركبنا البحر نريد الضفة الشرقية من الخليج العربي. كانت بداية الرحلة جميلة، وكنت أصغر إخوتي مع الوالد والوالدة، وعائلتان أخريان، أي شيء يرتبط بالبحر يسعدني؛ الجلوس على الشاطئ، مشاهدة حركة تغطيته للرمال وانحساره منها، التجوال في القارب على صفحته الهادئة، مراقبة أمواجه العالية، كل شيء في هذا المخلوق يؤثر بي حتى أنني أشعر بالانتماء إلى البحر!

كنت أحدث صاحبي ونحن جلوس على الشاطئ، نحتسي الشاي بعد صلاة عصر الجمعة.

– في تلك الرحلة، وهي إحدى رحلتين، مازلت أذكرهما جيدا من طفولتي، الثانية كانت بالبر، أحدثك عنها فيما بعد، في تلك الرحلة هاج البحر بعد عشر ساعات من مغادرتنا الميناء، ارتفعت الأمواج، وأمرنا الربان أن ننزل إلى الأسفل، بدأت المياه تدخل المركب مع تمايله، واجتمعنا في الأسفل عدا البحارة الذين كانوا في الأعلى، يتعاملون مع الوضع الصعب على السطح، بدأ رب إحدى العائلتين ينادي بصوت مسموع: «يا الله، يا محمد..» وخلال دقائق ارتفعت أصوات الجميع، تردد الاستغاثة الشركية ذاتها، لم أكن أدري ما الذي يجب أن أفعله حينها.

     بعد فترة من الزمن وقبل أن نخلد إلى النوم كانت الأمور قد هدأت بفضل الله ورحمته، وصعدنا إلى السطح العلوي، فإذا السماء قد ازدانت بالنجوم، ونسائم البحر الصيفية الهادئة تحمل عطرا يبعث على الطمأنينة، والانتعاش، أذكر أننا قضينا تلك الليلة على السطح العلوي، وكانت من أجمل الليالي، ربما لأنها أتت بعد هلع أصاب الجميع، خلال تلك العاصفة.

– ومازلت تُذكر هذه التفاصيل كلها؟

– نعم، واليوم أقرأ بعض الآيات، وبعض الأحاديث وأعجب لحال آبائنا، بل وأشفق عليهم مما كانوا فيه.

– ماذا تعني؟!

مرّ علينا أحد جيراننا، يتريض، دعوناه لتناول الشاي، اعتذر لرغبته في متابعة رياضته قبل أذان المغرب.

تابعنا حوارنا:

– مثلا قول الله عز وجل:

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} (الإسراء:67).

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (لقمان:31).

     وحديث عمران بن حصين، أتى أبي حصينٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم   -وكان حصين على الكفر- فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم -: كم تعبد اليوم إلها؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : أيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : يا حصين إن أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك.

وبعد فترة أسلم حصين فأتى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال له: يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني، قال: قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي» (ذكره الألباني في ضعيف الترمذي).

     فكان المشركون في عهد النبي  صلى الله عليه وسلم ، يعبدون هذه الآلهة مع الله -عز وجل- ولكن إذا اشتدت بهم الأمور لجؤوا إلى الله وحده، وتركوا آلهتهم؛ لأنهم يعلمون يقينا أنها لا تنفعهم ولا تضرهم، ولكن كانت عبادتهم إياها لتقربهم إلى الله، بمعنى أنها مجرد واسطة إلى رب العالمين.

{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } (الزمر:3).      وللحديث بقية إن شاء الله