– إن خير من يجيب عن هذا التساؤل هو سلمان الفارسي رضي الله عنه، هذا الصحابي الجليل كان يعيش في إصفهان، لا يتكلم العربية، بدأ يبحث عن الحق بصدق وإخلاص؛ فخرج من قرية (جي) في إصفهان إلى الشام، ثم إلى الموصل، ثم إلى نصيبين في تركيا، ثم إلى عمورية، ثم إلى أطراف المدينة؛ حيث بيع عبدا لأحد اليهود، وكان في قريته ابن أكبر تاجر وفي عز ورفاه، ثم يكاتب سيده ليعتقه من الرق ويكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته جميعها، ابتداء من الخندق حتى وفاته في أوائل عهد عثمان بن عفان سنة 24هـ تقريبا، ودفن في العراق، أسألك:

– لماذا تكبد سلمان كل هذا العناء والعذاب والعبودية مع أنه كان في بيت عز ورفاه؟

إنه البحث عن الحق، ووفقه الله إلى الحق.

     كنت في مجلس (ديوان) أحد رواد مسجدنا، استضافني بعد صلاة العشاء، وكنا قد انتهينا من الدرس، وبدأنا فترة الأسئلة والتعليقات، بدأ صاحب الديوان (عصام) بوعبدالله.

– لاشك أن هذا النموذج فريد من نوعه ونادر أن يتكرر ، ولاسيما أيامنا هذه.

– أخالفك الرأي يا أبا عبدالله، إن البحث عن الحق ينبغي أن يكون في قلب كل منّا، وهو موجود، ولكن بعضنا يفعله، وكثير منا يميته بتزيين من الشيطان، وأحدنا في أيامنا هذه لا يحتاج أن يرتحل آلاف الكيلومترات، ولا أن يسافر الأشهر والسنوات، بل يستطيع أن يبحث عن الحق وهو في بيته ولمدة سويعات كل يوم، ولكن نحتاج إلى الصدق والإخلاص مع الله -عز وجل- مع الدعاء وبذل الأسباب.

بدأ الخدم إعداد العشاء في الغرفة الأخرى التي يفصلنا عنها باب واسع مفتوح.

– أظن أن أول ما يجب على المرء التخلص منه قبول مذهب الآباء والأجداد دون تفكير؛ فيتعلم المرء أصول الدين -كما يجب- من العلماء، دون أن يجعل لأي عالم قدسية، بمعنى أن ليس هناك عالم إلا ويخطئ ويصيب، ويمكن أن يأخذ منه أو يتركه لا بهواه ورأيه، ولكن بالمقارنة مع علماء آخرين؛ فيأخذ من العلماء ما هو أقرب لآيات الله وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وهنا قضية أخرى مهمة، وهي (التجرد عن الهوى).

فلا ينبغي أن يقرأ لعالم لمجرد أنه من بلده، أو لأنه يحبه، بل يقرأ للجميع بعقل متفتح، ويسأل، ويناقش، ويقارن، ويسأل الله دائما الهداية والسداد.

– استأذن أحدهم أن يعقب.

– ولكن أحدنا لا يستطيع أن يقارن بين أقوال العلماء، بل أحدنا لا يقرأ الكتب، ولا يبحث في المراجع، نريد شيئا جاهزاً نتبعه، هذا الذي تقول يتطلب حداً أدنى من العلم والمعرفة لا نملكها نحن.

أعجبني طرحه الصريح.

– نعم، معظمنا من العامة لانملك الأدوات المطلوبة للبحث والمقارنة، ولكن ينبغي أن نملك الحد الأدنى من العلم بأركان العقيدة، بمعنى أن نعلم أركان الإيمان: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقضاء خيره وشره، وكذلك نواقض أركان الإيمان، وأقصد بها الأمور التي تنقض ركناً من أركان الإيمان؟ وهذه سهلة ميسرة في كتيبات صغيرة، وكذلك أركان الإسلام: الشهادتان، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وهنا نقطة ينبغي أن أبينها، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث في أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، و بعث في قوم كانوا يعبدون الأصنام؛ فكان صلى الله عليه وسلم  يأمرهم بعبادة الله وحده، وأن يتقربوا إلى الله وحده، ويعلمهم ما يحتاجون من أمور العقيدة بأن الله واحد، لا ولد له، ولا أب ولا صاحبة، وليس كمثله شيء، وأنه -سبحانه- أحد صمد، لا يأكل ولاينام، ولا يعجزه شيء أبدا؛ فلا ينبغي أن يعبد غيره ولا يدعى غيره، ولا يعبد شيء معه، وأن الملائكة عباد الله ليسوا بناته، وأنهم يعبدون الله ويفعلون ما يؤمرون، وأن البعث حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الموت ليس نهاية الإنسان.

     هذه قواعد بسيطة لا تحتاج إلى فلسفة، ولا إلى جدل فكري ولفظي، ولا أحد ينفع أحدا، ولا أحديغني عن أحد، وأن الجميع سواء أمام الله، وأن الله يوفي الجميع أعمالهم؛ فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها.

– قال صاحبُ الديوان أن موعد العشاء سيكون بعد خمس دقائق.

– أقول هذه القضايا الكلية إذا عرفها الإنسان فطبقها، وعرف ما ينقضها ليتركه فإنه على خير، مثلا قولنا: «لا إله إلا الله» ما الذي ينقض هذه الكلمة العظيمة التي هي أثقل من السموات والأرض، وأعظم سبب للنجاة يوم القيامة؟ الذي ينقض (لا إله إلا الله) أن يدعو العبد غير الله، وأن يسجد لغير الله تعبداً، وأن يذبح لغير الله تقربا، وأن يسأل غير الله حاجة اختص الله بها (المغفرة، الجنة، الرزق، الشفاعة)، وأن يتعلق قلبه بغير الله توكلا ويقينا وطاعة ورجاء، وهذه القضايا يجب على العبد أن يتعلمها حتى لا يقع فيما ينقض (لا إله إلا الله).