لست من محبي السفر، ومنذ فترة طويلة تركت السفر إلى أوروبا والغرب، وأصبح سفري إلى الشرق، أتوقف في كولومبو (سيريلانكا) ومنها إلى ماليزيا، وسنغافورة، والصين، وهونج كونج، وإندونيسيا، وعادة لا تزيد فترة سفري عن سبعة أيام.

توقفت مرتين في سيريلانكا، قضيت فيها أربعة أيام، رغم جوها المعتدل وطبيعتها الجميلة، إلا أن خدماتها سيئة، وطرقها لا تصلح للتنقل، انطلقت إلى (كاندي)، تبعد قرابة (100) كم، استغرقت الرحلة أربع ساعات!

     كانت الرحلة في مايو، هناك لديهم معبد أقاموه من أجل ضرس بوذا، استقدموه من الهند، زرت المعبد، الناس يتوافدون عليه من جميع أنحاء البلاد ليطهروا أنفسهم ويقدموا قرابينهم، ويطلبوا حاجاتهم، ولديهم طقوس يومية في أوقات معينة، يخرج الكهنة وتلاميذهم من مساكنهم، يأتون إلى حيث مركز المعبد (الضرس)، والناس يسجدون ويبتهلون، بالطبع يصحب ذلك قرع بالطبول الضخمة، سجلت كل ذلك على الكاميرا، خرجنا أنا ومرشدي السياحي في طريق عودتنا إلى كولومبو.

كنا نتواصل بالإنجليزية، بدأ هو الحديث.

– عليك أن تأتي في أواخر يوليو وأوائل أغسطس، في هذه الفترة يقام احتفال كبير، يزينون الفيل الأكبر، ويسير موكب ضخم في جميع أرجاء المدينة؛ حيث يتم إحياء ذكرى قدوم (الضرس) ويأتي الناس من جميع أنحاء البلاد ومن الدول المجاورة، يقضون أياما يؤدون طقوسا دينية تقربا إلى بوذا.

– حدثني عن عقيدتك أنت.

– عقيدتي أن أجمع المال، وأوفر لقمة العيش لزوجتي وابني، وعملي مع الأجانب دائماً، أحاول أن أكون لطيفاً معهم، وأجني أموالا إضافية لأجل أسرتي فقط، ولا أفكر كثيرا في الدين، ولا الموت، ولا ما بعد الموت، لدي من متاعب الحياة ما يكفي ليشغل كل وقتي وتفكيري.

ابتسمت، بينما تابع حديثه.

– وهكذا معظم الشباب، أما أولئك الذين يؤمنون بمعجزات بوذا، ويسعون إلى تقديم القرابين، أغلبهم من الفلاحين الفقراء الذين تربوا على هذه العقيدة.

– هل تريد أن تعرف عن عقيدتي أنا؟

– لا بأس، لدينا أربع ساعات.

– عقيدتي أن الله موجود، وهو الذي خلق السموات والأرض، وخلق كل شيء، وخلقنا وأوجدنا على هذه الأرض لنعبده هو وحده، لا نعبد أحداً معه، فضلا عن نعبد غيره وندع عبادته سبحانه.

– هكذا تقريبا ما يقوله الكهنة هنا.

– كلا، هناك فرق شاسع عندما أقول لك: إن الله يريد منا أن نعبده، بيّن لنا كيف نعبده وحده، بمعنى أنه بيّن لنا كيف نصلي، ومتى نصلي، وماذا نقول في صلاتنا، وأي انحراف عن طريقة العبادة يبطلها، بمعنى أنه لا ينبغي للبشر أن يخترع عبادة يتقرب بها إلى الله، وكل عبادة يخترعها البشر لا توصلهم إلى الخالق الحق، وذلك أن العقل البشري لم يوجد لمعرفة طريقة العبادة؛ فيستحسن هذه ويترك تلك، هذه مهمة الرسل؛ فمن عقيدتي أني أؤمن أن الله بعث رسلا من البشر، يأكلون ويشربون وينامون ويتزوجون، اختارهم الله وأعطاهم مؤهلات ليبلغوا للبشر طريقة عبادة الله وحده، وكيف يمكن لأي إنسان أن يتقرب إلى الله، ويعبد الله بالطريقة التي يرضاها الله سبحانه.

وهؤلاء الرسل كانوا مع البشر منذ البداية، تعرف البداية طبعاً؟

– نعم، أن آدم كان في الجنة مع حواء، ثم نزل إلى الأرض بسبب الخطيئة التي ارتكبها بأكل التفاحة من الشجرة المحرمة، هكذا أخبرني أحد زبائني الأوروبيون، وهذه الرواية مقنعة وآمنت بها.

للحديث بقية إن شاء الله