استمر حواري مع صاحبي على متن الطائرة المتجهة إلى الأردن وقد بقي لدينا قرابة الساعة لنبدأ الهبوط في مطار عمان.

– كأن أحدنا لا يحتاج أن يعرف الأسماء كلها لأجل الدعاء، يكفيه بعض الأسماء مثل الغفور، الرحيم، الغني، الكريم، العفو، الحليم، القوي العزيز، النصير.

– نعم، هذا صحيح، ولذلك فإن الغرض الأسمى لإحصاء الأسماء الحسنى هو التعرف على الله، وزيادة الإيمان به؛ فلو علم العبد أن الله متكبر متعادل ديان قهار عزيز جبار، انفطر قلبه خوفا، فيخمد الهوى، ويذهب نزغ الشيطان.

     ولو علم أن الله -سبحانه- هو الرزاق الغني الكريم القدير لم يلجأ إلى غيره، ولم يتعجل في رزقه. ولو علم أنه سبحانه هو الغفور العفو الغفار التواب الحليم الرحمن الرحيم لم يقنط من رحمته، ولم ييأس من عفوه، وهكذا في جميع الأسماء الحسنى، ولا سيما ما ورد منها مقترنا في كتاب الله مثل (الغفور الرحيم)، و(اللطيف الخبير)، و(العزيز الرحيم) و(الغني الكريم)، و(القريب المجيب)، وغيرها.

– كلام جميل، ولكن أغلب الدعاء يبدأ بـ(اللهم) أو (ربنا) أو (رب).

– نعم، دعني أذكر لك كلاما مفيدا في لفظ (اللهم).

– (اللهم) في كلام العرب خاص بنداء الله -عز وجل- بمعنى (يا الله)، فحُذِف حرف النداء وأتت الميم في آخره، وهذا لا يكون إلا مع لفظ الجلالة (الله). وفي اللغة لا يأتي حرف النداء إلا مع (نكرة)، أو (علم)، إلا مع لفظ الجلالة فهو الاسم الوحيد الذي يأتي مُعرَّفاً بالألف واللام وتسبقه ياء النداء (يا الله). ولا نقول (يا الرب)، وإنما (يا رب) أو (يا ربي)، وهذا مما اختص به لفظ الجلالة.

– لا شك أن هناك خصائص أخرى للفظ الجلالة (الله).

– بالطبع، ولنكمل موضوع الدعاء فلو تدبرنا القرآن، وتتبعنا أدعية الأنبياء فقد دعا آدم فقال: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف:23).

ودعاء إبراهيم عليه السلام فقال: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:128).

     ومن أدعية إبراهيم أيضا: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (إبراهيم:40-41). وكذلك: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الممتحنة:4-5). ومن دعاء موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} (طه:25-26). {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}. ومن دعاء سليمان عليه السلام: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِي} (النمل:19). ومن دعاء يونس عليه السلام: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}. وهكذا، وسوف نأتي على ما دعا به رسولنا صلى الله عليه وسلم وما علمنا أن ندعو به، إذا لم يكن لديك سؤال على ما مضى.

– جميع هذه الأدعية تبدأ بـ(رب) أو (ربنا)، عدا دعوة يونس -عليه السلام-.

– نعم هذه أبلغ صيغ الدعاء، وقد علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نبدأ الدعاء بالثناء على الله، بقول (اللهم لك الحمد)، أو (ربنا لك الحمد…) ثم نصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إكراما له وإنفاذا لأمر الله، ثم ندعو بما نشاء. ومن أبلغ صيغ الدعاء التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يبدأ العبد بالاعتراف بالذنب وإظهار الحاجة إلى الله ثم يدعو بما شاء وإليك بعض الأمثلة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر» رواه مسلم.

وعن علي رضي الله عنه قال، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قل: اللهم اهدني وسددني»، وفي رواية: «اللهم إني أسألك الهدى والسداد» رواه مسلم.

     وعن أنس رضي الله عنه  قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات»، وفي رواية: «وضلع الدين وغلبة الرجال» رواه مسلم. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم» متفق عليه.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل» رواه مسلم.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك» رواه مسلم.

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها؛ أنت وليها ومولاها» رواه مسلم.