– لقد لاحظت أنك أحصيت ثمانية وسبعين اسما فقط من الأسماء الحسنى في القرآن، والبقية أعني بقية التسعة والتسعين؟

– هناك أسماء لله -عز وجل- لم ترد في القرآن وإنما جاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن منزلة السنة في شريعة الله كمنزلة القرآن، كلها وحي من الله -عز وجل-.

     ووفقا للقواعد التي ذكرناها في إثبات الأسماء الحسنى هناك واحد وعشرون اسما من الأسماء الحسنى وردت في السنة الصحيحة، ولم ترد في القرآن، وهي: (الوتر، الحيي، الستير، المقدم، المؤخر، القابض، الباسط، الجميل، المسعر، الرازق، الديان، المنان، المحسن، السيد، الطيب، الحكم، الجواد، السبوح، الشافي، الرفيق، المعطي).

استغرب صاحبي، وكأنه استنكر بعض هذه الأسماء.

– وهل المسعر من الأسماء الحسنى؟

– قبل أن أجيبك ينبغي أن نعرف القواعد التي يجب أن تتوفر في الاسم حتى يكون من الأسماء الحسنى، ثم نطبق هذه القواعد على ما ورد من الأسماء التي تنسب لله -تعالى- فما وافقها نثبته لله، وما لم، لا نثبته لله، دون أن نجعل لآرائنا دور في ذلك.

– كلام جميل، وأَفَضِّل أن أذكر هذه القواعد.

– ثبوت الاسم في القرآن أو السنة.

– أن يكون علما.

– ألا يكون مقيدا بزمن أو فئة أو فرد.

– أن يدل على صفة.

– أن يكون فيه من الكمال والجمال والحسن ما يليق بالله.

أعجبني حفظ صاحبي لهذه القواعد.

– ما شاء الله أراك حفظتها عن ظهر قلب.

– نعم ومستعد أن أعطيك أمثلة: مثلا (الحفي) ليس من الأسماء الحسنى؛ لأنه ورد مقيدا بإبراهيم -عليه السلام-: {إنه كان بي حفيا} (مريم:47)، و(المنتقم) ليس من أسماء الله؛ لأنه ورد مقيدا بالمجرمين: {إنا من المجرمين منتقمون} (السجدة:22)، {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} (الدخان:16)، مقيد بيوم القيامة.

– رائع هذا الكلام منك بارك الله فيك.

كان حوارنا في المسجد بين العشاءين وقد أخذنا مجلسا في الزاوية اليمنى من المدخل.

     إذاً نذكر الدليل على اسم الله المسعر في سنن الترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني عن أنس قال: «قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعّر لنا، فقال صلى الله عليه وسلم : إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال».

ففي هذا الحديث الصحيح وردت الأسماء الحسنى الآتية لله -عز وجل- (المسعر، القابض، الباسط، الرازق) وكلها لم ترد في القرآن.

– والله إن العلم سبب عظيم للهداية والتقوى والتقرب إلى الله.

– دون شك.

– ولكن هل المعنى كما يتبادر إلى ذهني، بأن الله هو الذي يقدر الأمور ويتحكم بالأسعار كيف شاء سبحانه؟

– في اللغة (المسعر) اسم فاعل من التسعير، يقال أسعر أهل السوق وسعّروا إذا اتفقوا على سعر، وهو من (سعّر النار) إذا رفعها، وسعرت النار إذا أوقدتها (وسعّر) بالتشديد للمبالغة، ونار سعيرة ومستعرة مرتفعة، و(السعير) حر النار والعياذ بالله.

     والمسعر -سبحانه- هو الذي يزيد الشيء ويرفع قيمته أو مكانته أو تأثيره في الخلائق، فيقبض ويبسط وفق مشيئته وحكمته، والتسعير وصف كمال في حقه وهو من صفات فعله وحكمه وأمره ولا اعتراض لأحد من خلقه عليه؛ فهو الذي يرخص الأشياء وهو الذي يرفع سعرها وفق تدبيره الكوني، أو ما أمر به العباد في تدبيره الشرعي، قال عبدالرؤوف المناوي: «المسعر هو الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها؛ فليس  لك إلا إليه وما تولاه الله بنفسه ولم يكن إلى عباده لا دخل لهم فيه» (1).

الهامش:

1- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 2/337، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/368.