– لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تغيير الأسماء والكنى إذا كان فيها ما يخالف شرع الله من تزكية، أو خلق سيء، أو صفة مكروهة.

     وقد جاء في الحديث عن شريح بن هانئ أن أباه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه؛ فسمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم ينادونه (بأبي الحكم) فدعاه وقال له: «إن الله هو الحَكَم وإليه الحُكم، فلم تكنى (أبا الحكم)»؟ فقال هانئ: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين بحكمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟»، قال: شريح، ومسلم، وعبدالله، قال: «فمن أكبرهم؟» قال: شريح، قال: فأنت (أبو شريح). رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.

– هل تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كنية هانئ بن يزيد من (أبو الحكم) إلى (أبو شريح)؛ لأنه لا يجوز التسمي بـ(الحكم) أو (أبو الحكم)؛ وذلك أن (الحكم) من أسماء الله الحسنى التي لا يجوز التسمي بها؟

– نعم بالضبط هذا ما أردت قوله.

صاحبي يحب التدقيق والتفصيل في كل شيء، كنت وإياه في زيارة قصيرة إلى بيته، الذي بدأ يعمره بالتعاون مع أبنائه؛ ليوفر لهم سكنا واسعا مريحا ريثما يأتي وقتهم لنيل الرعاية السكنية من الدولة.

– كنت أعلم أن (الحكيم) من أسماء الله الحسنى، ولكن (الحكم) لم يخطر لي مثل (الأحد) و(الصمد)، و(الحكيم) على وزن (فعيل)، و(الحكم) صيغة مبالغة من (الحاكم)، ولكن (الحاكم) ليس من الأسماء الحسنى بل (الحكم) و(الحكيم)، والأول ورد في السنة ولم يرد في القرآن.

– أعلم أن (الحكيم) من (الحكم) ومن (الحكمة) ولذلك اقترن بـ(العزيز) في بعض الآيات وبـ(العليم) في آيات أخرى.

– (الحكيم) أتى قبل (العليم) وبعده وقبل (الخبير) فهو -سبحانه- (الحكيم العليم) وهو (العليم الحكيم) وهو (الحكيم الخبير)، ولكنه أتى دائما بعد (العزيز) فهو (العزيز الحكيم) وكما بينا سابقا أنه -سبحانه- (عزّ فحكم).

– وماذا عن (الحكم) في اللغة؟

– في اللغة هو الذي يرجع إليه الخصومات، كما في قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65)، والمحاكمة هي التخاصم إلى الحاكم، وحكمه في الأمر أي جعل حكمه نافذا في هذا الأمر.

أما (الحكم) في حق الله تعالى، فلله الحُكم المطلق في خلقه ولا راد لحكمه، وفي القرآن يرد (الحُكم) منسوبا لله إما كونيا لا يرد أو شرعيا، بمعنى أمره سبحانه في قضية ما ومن الأمثلة على النوع الأول، قوله تعالى:

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (الرعد:41).

فهذا الحكم لله لا يملك أحد رده أو نقضه { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}.

ومن النوع الثاني قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } (المائدة:1).

فهذه أحكام شرعية يملك العبد اتباعها فيؤجر أو مخالفاتها فيأثم

عقب صاحبي:

– هذه مثل (الإرادة الكونية) و(الإرادة الشرعية) و(المشيئة الكونية) و(المشيئة الشرعية).

– نعم أحسنت هي كذلك.