في زيارتي الأخيرة لتركيا، ولا أحب أن أزور هذا البلد «لشعوري أن أهله يعدون أنفسهم أهل الإسلام والعرب دونهم»، كنت أؤدي الصلاة في المسجد إذا كنت موجوداً في السكن، وربما قضيت الفترة بين المغرب والعشاء في بيت الله.

اقترب مني شاب بعد أن  خلا المسجد من المصلين بعد المغرب، خاطبني بالإنجليزية بعد أن ألقى تحية الإسلام.

– تعال نذكر الله.

– كيف تريد أن نذكر الله؟

– إن شئت، لدي كتيب فيه أذكار نرددها، وإن شئت تختار أنت اسماً من أسماء الله الحسنى ونرددها معا تسعا وتسعين مرة ثم نختار اسما آخر، وهكذا.

طلبت إليه أن ألقي نظرة على الكتيب الذي كان يحتفظ به في جيبه قرأت مقدمته فإذا هي أذكار الطريقة النقشبندية، فيها عبارات أقرب إلى الشرك منها إلى ذكر الله.

أرجعت إليه الكتيب.. قلت له:

– وما الطريقة الثانية؟

– أن نذكر اسما من الأسماء الحسنى مثلا، (يا لطيف)، ونكررها تسعا وتسعين مرة، ثم (يا منان)، تسعا وتسعين مرة، ثم (يا حي) تسعا وتسعين مرة.

– ومن أين أعلم أن هذا النوع من الذكر يقبله الله فضلا عن أن يحبه الله عز وجل؟

– ألا يحب الله أسماءه الحسنى؟

– بلى يجب أسماءه الحسنى.

– إذن نكرر أسماءه الحسنى.

– ولكنه -سبحانه- لم يطلب منا أن نكرر أسماءه هكذا، ولم يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم  أن نكرر أسماء آلله الحسنى هكذا؛ وإنما أمرنا الله -سبحانه- أن نعرف أسماءه، ونحصي أسماءه ونعرف معناها، ونتعامل معه بمقتضاها، فنسأله -سبحانه- باسمه (الغفور) أن يغفر لنا وباسمه (الرحيم) أن يرحمنا، ونجمع بين (الغفور الرحيم) للمبالغة في طلب المغفرة والرحمة.

     ونعرف اسمه -سبحانه- (الجبار) فنخافه، ونخشى غضبه وعذابه، وندعو بهذا الاسم على من تجبر وظلم، ونعرف اسمه -سبحانه- (القوي) فنطلب إليه العون لضعفنا، ونسأله باسمه (المولى النصير) أن يتولى أمرنا وينصرنا على من ظلمنا وهكذا، أما أن نكرر اسما من أسمائه هكذا مجرد تكرار فأنا لا أعلم أن الله يحب ذلك، ولا أعلم أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فعل ذلك.

استغرب صاحبي، كأنه يسمع منطقا غريبا لم يألفه بل لم يخطر على باله.

– وهل يجب أن نأخذ إذنا لنذكر الله؟

– القضية ليست أخذ إذن أو عدمه، لماذا تريد أن تذكر الله؟ لا شك أنك تريد أن تتقرب إلى الله، وتزداد إيمانا وأجرا وثوابا عند الله.

– نعم، كل ذلك.

– دعني أسهل عليك الأمر، لماذا تصلي؟ لأن الصلاة ركن من أركان الإسلام، وتريد أن تطبق أمر الله بالصلاة ولكن ليس لك أن تصلي متى شئت؟ وكيفما شئت؟ بل يجب أن تأتي بأركان الصلاة وشروطها، وهكذا في جميع العبادات، يجب أن تعبد الله كما أمر الله، وكما بين الرسول  صلى الله عليه وسلم ، و(الذكر) عبادة من العبادات يجب أن تذكر الله بطريقة شرعها الله وبينها رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، نعم لك أن تختار من الأذكار ما تشاء، ولكن يجب أن تكون من الأذكار المشروعة، وبطريقة مشروعة أيضا، ولا سبيل لنا أن نعرف ما يرضي الله وما يثيب عليه ويقبله إلا عن طريق رسول الله  صلى الله عليه وسلم ؛ لأن مهمة الرسول  صلى الله عليه وسلم  أن يبين للناس كيف يتقربون إلى الله؟ وهذا جاء في الأحاديث.

     كنت أرجو بصدق أن أصل مع صاحبي إلى نقطة بداية نتفق أنا وإياه عليها، ولكن تراكمات تربيته الدينية كانت أقوى من حججي، على الرغم من أنه كان مثقفا، وتخرج في كلية الهندسة، وسافر أكثر من مرة إلى دول إسلامية عربية وغربية، إلا أن قالب الدين عنده كان صلبا، وغير قابل لقبول أي فكرة جديدة.

– لماذا لا نجلس نقرأ القرآن، أن تقرأ وأنا أتابع ثم أنا أقرأ وأنت تتابع؟

راقت لصاحبي هذه الفكرة، رغم أني كنت أفضل أن أكون وحدي، ولكن فضلت الجلوس معه لعل في ذلك نفعا لي وله.

– بدأ صاحبي يقرأ، كان كثير الأخطاء لا في قواعد التجويد بل في قراءة الكلمات والإعراب أحيانا.

أدينا العشاء معا، بعد الصلاة اتفقت معه أن نلتقي مرة كل أسبوع لنقرأ القرآن ونتدارسه، فهو أحوج إلى تعلم القرآن منه إلى ذكر لم يثبت عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم .