الله -سبحانه وتعالى- يتحبب إلى خلقه، وهو غني عنهم، ويتقرب إليهم وهم يبتعدون عنه، ويدعوهم ليغفر لهم، وهم مسرفون على أنفسهم، سبحانه لا إله إلا هو.

– دعني أقرأ لك شيئا مما ذكره شيخ الإسلام ابن القيم في كتابه روضة المحبين: «والله -سبحانه- تعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته وأفعاله بما يوجب محبتهم له؛ فإن القلوب مفطورة على محبة الكمال ومن قام به، والله -سبحانه وتعالى- له الكمال المطلق من كل وجه لا نقص فيه بوجه ما، وهو -سبحانه- الجميل الذي لا أجمل منه، بل لو كان جمال الخلق كلهم على رجل واحد منهم، وكانوا جميعهم بذلك الجمال لما كان لجمالهم قط نسبة إلى جمال الله؛ بل كانت النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إلى حذاء جرم الشمس ولله المثل الأعلى».

     ويقول في موضع آخر: «إنك إذا أضفت إلى كماله وجماله ما كان من إحسانه في ملكه وإنعامه على خلقه، فإنه لا يتخلف عن حبه إلا الجاحدون وأصحاب القلوب الخبيثة والنفوس الخسيسة، فإن الله فطر النفوس على محبة المحسنين إليهم، المتصفين بالكمال والجمال، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها القلوب، فمن المعلوم أن مقلب القلوب لا أحد يعظمه إحسانا وجمالا، أو إنعاما وكمالا، فلا شيء أكمل من الله ولا شيء أجمل من الله، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته، وكمال قدرته وبديع حكمته، وكل هذه أوصاف دلت عليها الأسماء فلا نحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه».

لم يبق سوى عشر دقائق لأذان العشاء.

     دعنى أبين لك قضية مهمة في الأسماء الحسنى، وذلك أننا نسمي بعض الناس باسم من الأسماء الحسنى، هناك من اسمه، رحيم أو لطيف أو جميل أو سيد، أو غير ذلك من الأسماء التي يجوز أن يتسمى بها المخلوق، وذلك أن الاسم في حق البشر فارغ من الوصف وغير مرتبط به، بمعنى ترى من اسمه (جميل)، وليس له حظ من الجمال، و(طيب) ولا يعرف الطيبة، و(سعيد) وهو أتعس الناس و(رحيم) وهو أغلظ الخلق، وإذا كان على وصف اسمه تقول سعيد سعيد، أو جميل جميل، وذلك أن السعادة والجمال طرأت عليه.

     أما الأسماء في حق الله فتختلف اختلافا كليا عن ذلك؛ فهي علمية ووصفية معا في آن واحد، ولا يمكن قياسها بما سبق في حق المخلوق؛ ولذلك لم يقل النبي[: إن الجواد -سبحانه- جواد، وإن المحسن محسن، وإن الحيي الستير حيي ستير، وإن الجميل جميل، والوتر وتر، كما قلنا في حق المخلوق سعيد سعيد؛ لأن الأسماء في حق الله أعلام وأوصاف، سواء ذكر الاسم أولا أم ثانيا، مبتدأ أم خبرا، أم في أي موضع كان من النص فهو علم ووصف، أما في حقنا فالأسماء على الأغلب أعلام بلا أوصاف، فجاز في حق المخلوق سعيد سعيد، ومنصور منصور،  وصالح صالح، لكن لو ذكر ذلك في حق الخالق لصار تكرارا وحشوا بلا معنى، ولذلك فإن الثابت الصحيح عن النبي[ أنه قال: «إن الله -عز وجل- جواد يحب الجود»، «إن الله جميل يحب الجمال»، وقال: «فإن الله محسن يحب الإحسان»، وقال أيضا: «إن الله -عز وجل- حيي ستير يحب الحياء والستر»، فكان الجواد والجميل والوتر والرفيق والمحسن والحيي والستير كلها أسماء لله -عز وجل- تدل على العلمية والوصفية معا؛ لأن الله لم يطرأ عليه وصف أو يستجد به كمال.

قام صاحبي ليؤذن العشاء.