أنا وصاحبي (ع ع) كنا معا منذ الصف الثالث الثانوي في (الدعية) -إحدى ضواحي مدينة الكويت- ربما ننقطع عن التواصل لمدة أشهر، ثم نجتمع لفترة أطول، نخرج في نزهات صيد سمك (الحداق) وإلى مخيمات الربيع -إذا كان الطقس مناسبا- أو إلى العمرة كانت إحدى حواراتنا الودية.

– لماذا نقول (يا حسين)، لماذا لا نستغيث بالرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي هو أعظم منزلة من الحسين بن علي رضي الله عنه ، وأعظم مكانة عند الله، فنقول (يا محمد)؟

كنا في طريقنا إلى أحد مخيمات الربيع في شهر يناير، بعد صلاة الجمعة.

– نقول (يا حسين)؛ لأن الحسين خرج من مكة يريد رفع الظلم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقتل -عليه السلام-مظلوما هو وأهل بيته، فنحن نستذكر ذلك فنقول يا حسين أو يا أبا عبدالله.

     جميل، ولكن أباه (أبا الحسن) رضي الله عنه  قتل أيضا مظلوما وربما أكثر مظلومية من الحسين لأنه كان الخليفة المبايع من قبل الصحابة- رضوان الله عليهم- وكان أميرا للمؤمنين المعترف به من الجميع بما في ذلك معاوية بن أبي سفيان، ومع ذلك قتله الخارجي عبدالرحمن بن ملجم وهو ذاهب لأداء صلاة الفجر في المسجد.

قاطعني:

– ومن قال لك إننا لا نقول (يا علي)؟!

– أعلم ذلك ولكن ليس بقدر قولك (يا حسين)، ثم دعنا نتابع هذا المنطق، لماذا لا نقول (يا محمد)، من باب أولى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم  أفضل من الجميع وأقرب إلى الله من الجميع.

– إن قولنا (يا حسين)، هو للتذكير بمظلومية (الحسين)، خرج يريد الخير ورفع الظلم عن أمة الإسلام وقتله أعداء الله.

– دعني أبسط هذه العبارة التي قلت:

أولا: خروج الحسين رضي الله عنه وسببه.

ثانيا: لفظ (يا حسين).

ولنبدأ بالثاني، فإن هذه العبارة، عبارة من اللغة العربية وفي اللغة العربية (يا) حرف نداء، وهي عاملة في الاسم الصحيح و(يا) في المعنى كـ(أدعو)، ألا ترى أنك إنما تذكر بعد (يا) اسما واحدا… (لسان العرب).

     وعندما تستخدم (يا) فإنك ترجو أن تبلغ من تنادية شيئا، فلا معنى أن تقول (يا فلان)، ثم تسكت، حتى عندما تنادي الله عز وجل، وفي القرآن أكثر من 340 (يا)، كلها لا تنتهي بالاسم بعد يا، مثلا: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31). {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} (هود:76). {يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم:12) {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (المؤمنون:51). {يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (النمل:9).

وهكذا في جميع الآيات، ثم عندما تقول (يا الله) ينبغي أن تكمل: (يا الله) اغفر لي، أو ارحمني أو ارزقني، أو اغفر لي، حتى تكون العبارة صحيحة، فإنك عندما تنادي أحدا فمن كمال الأدب أن تبين الغاية من ندائك، فما الغرض من قولك (يا حسين)؟

– كما قلت لك، إننا نستذكر مظلومية الحسين، لا غير.

– ولكن عبارة (يا حسين) لا تخدم هذا المعنى، هو نداء إما (للاستغاثة) أو (الاستعانة) أو (الطلب) أو لجلب الانتباه للحديث، أو غير ذلك.

نبهني (ع ع) إلى ضرورة الانتقال من الطريق المعبدة إلى طريق ترابية للوصول إلى موقع المخيم، فعلت ما أراد.

تابع حديثه:

– لست (فطحلا) في اللغة العربية ولكن هذه العبارة نكررها عرفنا النطق.

– هذه العبارة (يا حسين) خطأ لغوي، ثم من باب المنطق (يا محمد) أولى منها، ثم من باب العقيدة لا يجوز أن نقول (يا محمد)؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم  لا يملك ضرا ولا نفعا لأحد، كما قال الله تعالى:

{قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:188).

{قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ  لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ  إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً  وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (يونس:49).

{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} (الجن:21-22).

     ورسولنا وسيد آل البيت جميعاً صلى الله عليه وسلم  نهانا أن نتوسل به ونستشفع به ونطلب إليه شيئا، بل أمرنا أن نسأل الله وحده فهو – سبحانه- الذي يقضي الحاجات، ويغفر الزلات ويتجاوز عن الخطيئات، وهو- سبحانه -ولا أحد غيره- الذي يحكم يوم القيامة ويقضي بين العباد ثم يأمر بفلان إلى الجنة وآخر إلى النار، ولا أحد غيره.

قاطعني:

– وماذا عن الحديث «توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم»؟!

– هذا ليس بحديث فقد حكم عليه المتخصصون في علم الحديث أنه (لا أصل له)، بمعنى آخر ليس بحديث ومن نسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم  فإنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لم يعلق (ع ع) على كلامي، سكتنا هنيهة ثم تشاورنا حول برنامجنا في المخيم، وموعد العودة.