– هل من المحتم أن يهلك الله الظالمين في الدنيا؟

– كلا.. ولكن الظلم من الذنوب التي من الأرجح أن ينال مرتكبها جزءاً من عذابه في الدنيا كما في الحديث: «ما من ذنب أجدر أن يعجِّل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم» صحيح.

كنت وصاحبي نتحاور في مكتبه الجديد بين العشاءين:

– ما الحكمة من ترك الظالم يطغى ويتجبر؟!

– بل من كمال الحكمة، والحكم كثيرة نعرف بعضها ونجهل أغلبها، ترك الظالم يجعله يتمادى حتى يتبين للناس مدى ظلمه، كما فعل فرعون حتى قال: «أنا ربكم الأعلى»، {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} (النازعات: 25 – 26)؛ فكان عبرة لكل ظالم، وربما بقاء الظالم يجعل المظلوم يكثر من الرجوع إلى الله والاستغفار من ذنوبه، ففي تفسير قول الله تعالى: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} (الأنعام: 129)، قال ابن عباس: إذا أراد الله بقوم خيرا ولَّى عليهم خيارهم، وإذا أراد غير ذلك ولى عليهم شرارهم، والحكم في إبقاء الظالم كثيرة، ولكن لا ينبغي أن يشك مسلم في أن الله لا يحب الظالمين، وإن أخّرهم كما قال تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} (إبراهيم: 42).

نبهني صاحبي إلى ضرورة الاستعداد لصلاة العشاء؛ حيث لم يبق على وقت الأذان سوى خمس دقائق.. سألني ونحن في طريقنا إلى المسجد:

– هل هذا ينطبق على كل ظالم؟

– الظلم في كتاب الله يأتي بمعنى الشرك {إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان: 13)، وأيضا بمعنى منع الحق والطغيان والبغي على الآخرين في كل شيء، وهذا هو المراد من حديثنا، وإلا فإن الشرك عاقبته في الآخرة أكثر من الدنيا، ففي تفسير قول الله تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (هود: 117)، نقل الطبري أن المراد بالظلم: الشرك، والباء للسببية، أي لا يهلك القرى بسبب إشراك أهلها وهم مصلحون في أعمالهم يتعاطون الحق فيما بينهم.

ويوضح ابن تيمية – رحمه الله – هذه القضية بأن الأمم تبقى بالعدل وإن كانت كافرة وتزول بالظلم وإن كانت مسلمة.

– وماذا إن كان المظلوم يهوديا أو نصرانيا أو مسلما فاسقاً فاجراً؟

– لقد حرم الله الظلم على الإطلاق، وجاء صريحا في الحديث: «اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب» حسنه الألباني، وفي رواية: «وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه» (حسن لغيره)، ويكفي قول الله تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» مسلم.

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/08/Pages-from-630.pdf” color=”red” newwindow=”yes”]تحميل[/button]