عجيب أمر هذا الإنسان, عندما يموت له قريب أو يعزي صديقا, يقول: «أتت ساعته.. وحانت لحظة موته, فلا يرد ولا يؤجل».. وينسى هذه الحقيقة عندما يفوته شيء من الرزق..

– إن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان, لا يكون مؤمنا من ينكره, بل يخرج من دائرة الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله, والإيمان بالقدر يقوّم حياة الإنسان، ويجعله يتعامل مع الدنيا بكل ما فيها بصورة صحيحة, وذلك أن كل ما في الدنيا ابتلاء من الله عز وجل, ولما كان طلب الرزق شاغلا لكثير من الناس إما بطلب الزيادة ولو بالحرام.. أو بالامتناع عن الواجب, خوفا من قلة الرزق.. بيَّن الله عز وجل قضية الرزق أوضح بيان.. فقال عز وجل.. {وفي السماء رزقكم وما توعدون}, وبيّن النبي [ معنى هذه الآية بقوله [: «إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته» (السلسلة الصحيحة) وقال [: «خلق الله كل نفس فكتب حياتها وموتها ومصيباتها ورزقها» (السلسلة الصحيحة).

     ولكن الناس يرون أنهم إذا دفعوا الرشاوى فازوا بالصفقات التجارية، وإذا سلبوا من الأموال العامة ازدادت ثرواتهم، وتمتعوا بهذه الدنيا.

قاطعته.

– ألم يخبر رسول الله [: «إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» (السلسلة الصحيحة).

     هذا الذي يفكر بهذا المنطق ويتصرف بهذا الأسلوب إنما يوقع نفسه في الفتنة, التي حذر منها الرسول [، فليتحمل عاقبة أمره, ابتداء من القبر ونهاية بعد الحساب.

وماذا عن ذاك الذي يمتنع عن أداء حق المال؟ ويحتج بأن الأرزاق من عند الله..

– ألم يخبر الله عز وجل عن مثل هؤلاء فقال: {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين} (يس: 47).

فهذا منطق الكافرين, أما المؤمن فعقيدته, «ما نقص مال عبد من صدقة».. وفي رواية.. «لا ينقص مال من صدقة, فتصدقوا» كلاهما صحيح – الترغيب والترهيب.

والمعنى؟

     لا شك أن الرزق همّ كل إنسان, يسعى دائما للاستزادة منه, والفرق بين المؤمن وغيره, أن المؤمن لا يأخذ رزقا إلا من حلال، ولا يزيده إلا بما شرع الله, لأنه يعلم أن رزقه سيأتيه وإن تأخر «فيجمل في الطلب», ويخرج حق الله من ماله, لأن حق الله لا ينقص الرزق, ويؤمن بأن الأرزاق بيد الله كما الآجال، فلا يحزن على ما فات, ولا يفرح بما أتى.. فالجميع رزقه بيد الله يقسمه كيف يشاء بحكمته.. ويسأل الله زيادة الرزق والبركة فيه.

{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} (هود: 6)، فالرزق بالنسبة له وسيلة ابتلاء.. واختبار يجتهد أن ينجح فيه.