– معظم الناس قست قلوبهم في زماننا هذا؛ فلا يخافون إذا أُنذروا ولا يتعظون إذا ذُكروا.. ويرون الموت وكأنه لم يكتب عليهم.. أو كتب عليهم ولكن لا يعنيهم، وكأنهم ليسوا من سيعاني الموت.

– هذا حال أهل الدنيا.. والتعامل المادي – الذي طغى هذه الأيام – يقسّي القلب مهما حاول الإنسان.

كنت وصاحبي في طريقنا إلى درس في «صباح الناصر» لشيخ جليل من دولة مجاورة.

– أعجب من هؤلاء ولاسيما عندما تنزل بهم المصيبة، ومع ذلك لا يتعظون.

– بل الأعجب من أناس تقسو قلوبهم عند ذكر آيات الله.

استغرب صاحبي:

– وهل هناك من يقسو قلبه من ذكر الله؟!

– ألم تقرأ قوله عز وجل: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} (الزمر: 22)

– وماذا تعني هذه الآية؟!

– بل هي جزء من آية تمامها: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين} (الزمر: 22).

فهؤلاء صنفان من البشر.. الأول: قبل وانشرح صدره بنور الله عز وجل، والثاني: أصبح ذكر الله سببا في قسوة قلوبهم واشمئزازها ونفورها.. وذلك لمرض هذه القلوب وخبث طويتها.. والأصل أن القلوب تطمئن وتلين بذكر الله. ثم تأمل قوله عز وجل في الصنف الأول أنه ذكرهم بصيغة المفرد: {صدره} مع أن المقصود جميع المؤمنين، وفي الثاني ذكره بصيغة الجمع {قلوبهم}، وذلك أن أسباب الهداية واحدة.. بل سبب واحد، نور الله، وأسباب الضلال متنوعة.. فهناك قلوب ضلت لاتباع الشهوات، وأخرى لاتباع الشبهات.. وهذه أيضاً فيهما أصناف كثيرة، إلا أن جميع هذه القلوب الضالة المريضة اجتمعت على صفة واحدة «القسوة» حتى عند ذكر الله عز وجل وتوعدهم الله عز وجل.. بـ{ويل}.

– وكيف لنا أن نعرف أحوال قلوبنا؟!

– لاشك أن القلوب تختلف أحوالها.. وتتباين درجاتها في التقوى والإيمان، واللين، والقسوة، بل القلب الواحد تتعدد أحواله في الساعة الواحدة بين أقصى اليمين وأقصى الشمال.. ولذلك كان من أكثر دعائه[: «يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك» (صحيح).. واختبارات القلوب كثيرة، منها: مدى ذكر الله عز وجل.. ومنها التفاعل مع آيات الله عندما يقرؤها أو يسمعها: {ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} (الزمر: 23).. ومنها قبول الحق، والاستماع إلى النصيحة، والانتهاء عن التمادي في المعصية والظلم.. والرجوع عن التكبر، ورحمة الضعفاء خاصة وكل مخلوق عامة: «أهل النار كل جَعْظَري جواظ مستكبر، وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون» (صحيح الجامع).

– وكيف السبيل إلى «قلب لين»؟!

– الاتعاظ بالموت.. «وكفا بالموت واعظا» بزيارة القبور والتقلل من الدنيا.. والقناعة بما قسم الله والذكر والقرآن، ومجالسة أهل الآخرة.. واليقين بلقاء الله.. والإيمان بالجنة والنار.. والدعاء.