في سورة «الطارق» قَسَمان.. في أول السورة بالسماء والطارق.. وفي النصف الثاني بالسماء والأرض.. فكأن السورة كلها قسم من الله – عز وجل – بأمور عظيمة على أمور عظيمة.. أليس كذلك؟!

هو كذلك وأكثر.. ففي بداية السورة يقسم – عز وجل – بالسماء.. وما أكثر ما يقسم الله بها.. لعظم خلقها وعجيب أمرها.. ولا يعرف مكنوناتها إلا الله – عز وجل – ومن شاء سبحانه.. ثم يقسم بـ«الطارق».. وهو جنس النجوم.. وذلك أنها تظهر بالليل.. ولبيان عظم قدر هذا المخلوق قال – عز وجل -: {وما أدراك ما الطارق}.. وأجاب : {النجم الثاقب}.

قاطعني:

< يثقب ماذا؟!

< «الثاقب»: المضيء.. يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه.. كما قيل «دريّ».. لأنه يدرأ الظلام، أي يدفعه.. وقيل: إن «الثاقب» هو أحد النجوم خصوصاً.

< أليس «الطارق» من «الطرق».. وهو الضرب بشدة يسمع لها صوت.. ومنه المطرقة؟

< بلى.. ثم استخدمت لسالك الطريق لتصور أنه يطرقها بقدمه واشتهر به حتى صار حقيقة، ثم اختص بالآتي ليلاً؛ لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها، ثم اتسع في كل ما يظهر بالليل.. ولاسيما النجوم التي تظهر ليلاً فقط.

< وعلى ماذا أقسم الله عز وجل؟!

جواب القسم: {إن كل نفس لما عليها حافظ}.. أي: ما كل نفس إلا عليها حافظ مهيمن رقيب.. وهو الله عز وجل.. أو: ما وُكِّل من الملائكة.. منهم الحفظة.. والكتبة.. وغيرهما.

كنت وصاحبي في نزهة صيد سمك (حداق) كما نقول بلهجتنا الخليجية.. وكانت أول رحلة لنا منذ أكثر من سنتين.. لم يكن هدفنا الصيد.. وإنما الاسترخاء وسط البحر.. وكانت نزهة ليلية.

< وما العلاقة بين هذا القسم.. وقوله عز وجل: {فلينظر الإنسان مم خلق}؟

< في هذا القسم أمور عظيمة:

أولا: بيان حقارة خلق الإنسان مقارنه بالسماء.. والنجم.. كما قال الرسول[ .. وقد بصق بكفه.. «وخلقه بأصبعيه، يقول الله عز وجل.. يابن آدم من مثل هذا خلقتك».. هذا أمر.. وأمر آخر أنه خلقه لغاية.. ولم يخلقه عبثاً: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى}.. فعلى هذا الإنسان الضعيف رقيب مهيمن.. حافظ.. وعليه ملائكة يكتبون.. ثم الله الذي خلقه من ماء «دافق».. ابتداء.. قادر على أن يرجعه.. فيجب عليه أن يؤمن بالبعث.. والحساب.. على ما أسرّ وأعلن.. حيث يكون مستسلماً عاجزاً لاحول له ولا نصير.. يقسم الله – عز وجل – على كل هذه الأمور العظيمة كما هو حاصل في أكثر من موضع من سورة.. وكثير من الآيات.

< حقاً إنها أمور عظيمة!

< ما أقسم الله بها إلا لبيان أنها حق.. وأنها جد.. وأنها واقعة.. وأنها آتية.. وأن العاقل من يعمل بها.. يكفينا أن يخبرنا الله عنها.. فما بالك عندما يقسم الله عليها؟!