{إنه لقول فصل.. وما هو بالهزل}

بدأت السورة بمجموعة أقسام.. على خلق الإنسان وبعثه.. ثم أقسم الله مرة أخرى بالسماء.. والأرض.. ووصف السماء بأنها ذات الرجع.. أي المطر.. وقال بعضهم: هو السحاب ينزل المطر.. والأرض ذات الصدع.. أي النبات.. وقالوا: الرجع شمسها وقمرها يغيب ويطلع.. والأرض «تنصدع» عن النبات والأشجار والثمار.. و«الرجع».. صفة السماء ترجع كل عام بالغيث وأرزاق العباد.. وهذا القسم على أن القرآن «قول فصل».

كنت وصاحبي نتمشى نحو منازلنا بعد صلاة الفجر.. وقرأ إمامنا في الركعة الثانية «سورة الطارق».. فسألني عن الرجع والصدع.

< إنه قسم شديد.. وعبارات صريحة واضحة.. قوية.. لا مجال للشك فيها.. ولا لتأويلها.

< أحياناً يبين الله عز وجل هذا الأمر متحدياً.. بل وزاجراً للكفار.. فمع أن القرآن فصل.. بين الحق والباطل.. وحكم بين الهدى والضلال.. والظلمات والنور.. إلا أنهم {يكيدون كيدا} بمحاولاتهم رد الحق. وإنكار ما جاء به الرسول[ ومحاولاتهم رده.. بل وقتله.. وكل هذا كيد بشري.. فجازاهم بما يقابل عملهم.. {وأكيد كيدا}.. وكيد الجبار يليق به.. ولئن كان الكيد.. هو التخطيط بالخفاء للنيل من الآخر.. وهو صفة نقص في المخلوقات لأنه لا يلجأ له إلا الضعيف الذي لا يقوى على المواجهة.. فإن الكيد في حق الله عز وجل صفة كمال.. يليق به عز وجل.. فجازاهم بكيدهم كيدا أعظم منه.. قاطعني:

< وهل يجوز أن نصف الله بـ«الكيد»؟

< ليس على الإطلاق.. بل يكيد سبحانه من يكيد دينه ورسله وأولياءه.. فهي صفة خاصة منه للكافرين الذين يكيدون للنيل من دين الله.. ولا نشتق من هذه الصفة الخاصة اسماً لله عز وجل.. وهذا مثل قوله عز وجل: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال: 30) فهم يمكرون «يخفون المكائد».. ويمكر الله «يخفي ما أعد لهم» حتى يأتيهم بغتة.. ومثل قوله عز وجل: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون} (البقرة) فالله عز وجل يمكر بمن يمكر بالإسلام.. ويستهزئ بمن يستهزئ بدين الله.. ويكيد من يكيد الرسل والأولياء.. وكلها صفات كمال لله عز وجل.. ولا تطلق.. أي لا يقال: الله يمكر.. الله يكيد.. الله يستهزئ.. بل تقيّد بما جاءت به.

كدنا نبلغ مفترق الطرق.

< إذاً يقسم الله بالسحاب الذي ينزل منه المطر.. والأرض التي يخرج منها النبات.. أن القرآن لا مجال للتلاعب معه.. ولا اتخاذه هزلاً.. ومن يفعل ذلك توعده الله.. وسيأتيه العقاب.. «رويداً».