جمعني سفر قصير مع صديق قديم على غير موعد.. الرحلة ذاتها إلى البلد ذاته والمؤتمر نفسه.. كانت مقاعدنا متباعدة.. استأذنّا المضيف أن نجلس معاً في مؤخرة الطائرة.. سمح لنا على غير العادة.. ربما لعلمه بقلة الركاب.. تحدثنا عن كل شيء منذ تخرجنا قبل ثلاثين سنة.

 

 

– قررت التقاعد مع نهاية هذا العام.. لقد تعبت من العمل.. وبالفعل.. كان يبدو أكبر مني سناً رغم أني ولدت قبله بثلاثة أشهر.

– أنا لمّا أفكر في التقاعد بعد.

– كل هذه السنين مضت ولم نتحصل شيئاً يذكر لآخرتنا.

– بلى.. العقيدة الصحيحة.. والصلاة.. والزكاة.. وإعانة المحتاجين.. واجتناب الظلم وأكل مال الآخرين.. كل هذا حصيلة عظيمة تنجي إن شاء الله.. وتنفع عند لقاء الله.

– غيرنا أفنى عمره في الدعوة إلى الله.. ونحن عملنا.. وجمعنا الأموال.. وزوجنا الأبناء.. والآن لا نقوى على شيء سوى الفرائض.

– لا تحقرن هذه الأعمال العظيمة.. ألا تحفظ سورة «الليل»؟

سكت صاحبي.. مستنكراً:

– نعم.. نسيت كثيراً مما كنت أحفظ ولكن {والليل إذا يغشى…} ما زلت أحفظها.

– فيها سبيل النجاة.. بل يقسم الله – عز وجل – على أن من عمل هذه الأمور أفلح.. اقرأ السورة لنتدبرها.

– قرأ صاحبي: {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى…}.

توقف:

– وما معنى {وما خلق الذكر والأنثى}؟!

– أي: ومن خلق الذكر والأنثى، أي الله سبحانه وتعالى.. والذكر والأنثى آدم وحواء.. وذريتهما.. وكل هذا قسم منه – عز وجل – على قضية {إن سعيكم لشتى}.. مختلف.. ثم فصل هذا الاختلاف في العمل المؤدي إلى الاختلاف في المصير:

فمن أعطى.. أدى حق ماله، واتقى.. محارم الله، وصدق بالحسنى.. إيماناً بالله (الحسنى.. الكلمة الحسنى، أي كلمة التوحيد) أو صدق بالجنة.

فمن اختار هذا الدرب.. فإن الله ييسره له.. ولذلك قيل: «من أراد الهداية وبذل أسبابها.. نالها».. وهنا يقسم الله – عز وجل – على هذا الأمر.. والقسم أيضاً.. على من اختار الطريق الأخرى:

فمن بخل بماله، واستغنى.. عن طاعة الله.. فمنع حق الله في المال، وكذب بالحسنى.. فسوف يتركه الله لما اختار.. ولن ينفعه ماله.

ثم يبين الله – عز وجل – أن الهداية عليه، يعطيها من يستحقها.. والجميع مآله إلى الله ابتداء وانتهاء.. ولكن علينا باختصار.. الحذر من نار «تلظى»، ويختم سبحانه بما بدأ به السورة.. من بذل.. ومن بخل.. فمن بذل صادقاً.. أنقذه الله من هذه النار التي تلظى «تتلهب».

– علق صاحبي:

– هذا هو المال في النهاية.. جنة أو نار.. شقي أو سعيد.. نسأل الله أن يتغمدنا برحمته ويكتبنا في أهل الجنة.