بعد أداء صلاة العشاء، عدنا مشيا على الأقدام باتجاه منازلنا، ثلاثتنا يسكن في الجهة ذاتها من المسجد، (عبدالعزيز) أقربنا إلى المسجد، وأنا و(عبدالله) متجاوران.

– رأيت اليوم منظرا عند دخولي محلا تجاريا لشراء قطعة صغيرة لمركبتي، أزعجني جدا، أخذت حاجتي، وخرجت وقد ضاق صدري، سكتنا ننتظر (عبدالعزيز) يكمل.

– علق صاحب المحل -أظنه من الهند- علق لوحة في الجهة المقابلة للمدخل كتب عليها (يا…)، حدثت نفسي أن أناقشه، وأسأله، ولكن يقيني بأنه لن يفهم ما أريد، ولا يريد أن يفهم ما أقول، آثرت السكوت مع ما وقع في قلبي من ضيق وبغض لما رأيت.

– هؤلاء قوم تعلقت قلوبهم بالأولياء، والصالحين، فرفعوهم إلى مقامات أعلى من النبوة والرسالة، وترسخت في قلوبهم عقيدة أن نجاتهم وفوزهم في الآخرة يكون بواسطة هؤلاء، مع أن آيات الكتاب -فضلا عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم – بينت أنهم من الخلق ولا يملكون شيئا، لا ضرا ولا نفعا، ولا خلقا ولا نشورا.

– الآيات التي قرأها إمامنا من سورة الأحقاف تحمل هذه المعاني، اسمع إلى قول الله -تعالى-: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}. وتقريبا تكررت هذه الألفاظ في سورة فاطر. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا}.

وفي تدبر هذه الآيات ومثيلاتها الهدى والبيان أن كل ما يعبد من دون الله أو مع الله لا يستحق ذلك بالحجة والبرهان، ولكن أكثر الناس لا يريدون اتباع الحق، وزين لهم الشيطان اتباع الآباء وتقليد الأجداد، دعني أبحث لكما ما ورد في تفسير هاتين الآيتين في هاتفي، عن قتادة {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} لا شيء والله خلقوا منها {أم لهم شرك في السماوات}، لا والله ما لهم فيها شرك {أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه}، يقول: أم آتيناهم كتابا فهو يأمرهم أن يشركوا.

{أروني ماذا خلقوا من الأرض} أي في الأرض، وهو احتجاج بدليل العقل في أن الجماد – ولا غير الجماد- لا يصح أن يدعى من دون الله فإنه لا يضر ولا ينفع.

والمعنى: أخبروني عن شركائكم، أروني أي شيء خلقوا من الأرض؟

أم لهم شرك في السماوات أي: أم لهم شركة مع الله في خلقها، أو ملكها، أو التصرف فيها حتى يستحقوا بذلك الشركة في الإلهية؟ أم آتيناهم كتابا أي: أم أنزلنا عليهم كتابا بالشركة فهم على بينة منه؟ أي: على حجة ظاهرة واضحة من ذلك الكتاب.

قال مقاتل: يقول هل أعطينا كفار مكة كتابا، فهم على بيان منه بأن مع الله شريكا؟ ثم أضرب -سبحانه- عن هذا إلى غيره فقال: {بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا} أي: ما يعد الظالمون بعضهم بعضا كما يفعله الرؤساء والقادة من المواعيد لأتباعهم إلا غرورا؟ يغرونهم به ويزينونه لهم، وهو الأباطيل التي تَغُرُّ ولا حقيقة لها، وذلك قولهم: إن هذه الآلهة تنعفهم وتقربهم إلى الله، وتشفع لهم عنده. وقيل: إن الشياطين تعد المشركين بذلك، وقيل: المراد بالوعد الذي يعد بعضهم بعضا هو أنهم ينصرون على المسلمين ويغلبونهم، فأمر الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن يحاجهم ويوجه الخطاب إليهم بانتفاء صفة الإلهية عن أصنامهم، وذلك بعد أن نفى استحقاقها لعبادتهم بأنها لا ترزقهم كما في أول السورة، وبعد أن أثبت الله التصرف في مظاهر الأحداث الجوية والأرضية واختلاف أحوالها من قوله: {والله الذي أرسل الريح} (فاطر:9)، وذكرهم بخلقهم وخلق أصلهم، وقال عقب ذلك {ذلكم الله ربكم له الملك} (فاطر:13)، الآية عاد إلى بطلان إلهية الأصنام.

وبنيت الحجة علي مقدمة مشاهدة انتفاء خصائص الإلهية عن الأصنام، وهي خصوصية خلق الموجودات وانتفاء الحجة النقلية بطريقة الاستفهام التقريري في قوله: أرأيتم شركاءكم؟ يعني: إن كنتم رأيتموهم فلا سبيل إلا الإقرار بأنهم لم يخلقوا شيئا.

قوله: {أروني ماذا خلقوا من الأرض} فإنه أمر للتعجيز؛ إذ لا يستطيعون أن يروه شيئا خلقته الأصنام، فيكون الأمر التعجيزي في قوة نفي أن خلقوا شيئا ما.