هذا هو السؤال الواضح البين الذي يطرحه الله -سبحانه وتعالى- متحديا كل من يشرك به، ولا جواب لهذا السؤال، وسواء نطق المسؤول أم صمت فالجواب: (لا إله إلا الله)، وعلى شاكلة قول الإعرابي: «من الذي أغضب الرب حتى يقسم؟»، في قوله -تعالى-: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (الذاريات:23)، نقول هنا: من الذي أغضب الله بأن أشرك به حتى يكرر خمس مرات {أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} من سورة النمل:

{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}.

{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.

{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}.

{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.

– لا إله إلا الله، يعجب المرء كيف يجرؤ بشر أن يعبد مع الله غيره؟! في الدعاء أو الرجاء أو الخوف أو الفرج أو الحلف أو الشفاعة أو المغفرة، ورب العزة يقول: {أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ}، لا يملك النفع والضر إلا هو -سبحانه-، ولا يملك الرزق والموت إلا هو -سبحانه-، ولا يملك الجنة والنار إلا هو -سبحانه.

فلا ينبغي لمنصف، عاقل، إلا أن يوحد الله ولا يشرك به، لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، ولا وليا صالحا، ولا سيدا مطاعا، ولا شيخا متعبدا، ولا صنما معظما، {أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ}.

كنت وصاحبي بانتظار ثالثنا، يصلي فروضه في مسجد آخر، لنعود أخا لنا في المشفى.

– إنها آيات قوية، وحجج دامغة، وأسلوب تحد واضح، لمن يشرك مع الله شيئا آخر، ماذا لديك بالنسبة لإعجاز هذه الآيات؟

– دعنا نقرأ الآيات كاملة ثم نأتي على التفسير.

{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (النمل: 60-64).

– في الآية الأولى يبين الله -عز وجل- عجز (الآلهة) عن أمور واضحة، أقر بها من اتخذ إلها مع الله، فإن خلق السماوات والأرض لم يدعه أحد، وعندما قال الله -عز وجل- إنه هو -سبحانه- من خلق السماوات والأرض لم يعارضه أحد، وهكذا بالنسبة لإنزال المطر، لا يملكه أحد، فهذه أمور شاهدة معلومة ملموسة، ينتفع بها الخلق ويترقبونها، ويعلمون أنها ليست من تصاريف (آلهتهم)، فلا سبب أن يشركوا بالله غيره إلا أنهم {قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}، أي يجعلون من لا يملك شيئا مثل من يملك كل شيء، أو يعدلون عن الله إلى غيره، وكلا السببين لا أساس له، من عقل منصف أو فطرة سليمة، فلا عذر لمن يفعل ذلك.

وصل صاحبنا، أخذنا مجلسينا في مركبته وانطلقنا إلى غايتنا.

بعد التحية والسؤال وبيان مختصر نقاشنا لصاحبنا تابعنا الحديث: بين الله أمورا أرضية مشاهدة وملموسة للبشر، ولا يملك أحد فيها شيئا، ولم يدع أحد أنه عمل منها شيئا، بل الله نسبها لنفسه -سبحانه-، وهي استقرار الأرض بالجبال، وجريان الأنها، وحجر المياه العذبة عن المالحة، وهذا كله مشاهد للجميع، فمن أنكر نسبتها إلى الله، فهو جاحد، منكر، يعلم، ولكن لا يتصرف وفق علمه، ولا يستفيد من علمه، كمن يبصر ولا يستفيد من بصره، ويسمع ولا يستفيد من سمعه، فهو كمن لا يعلم ولا يبصر ولا يسمع.

والثالثة أن الخلق جميعهم -حال الاضطرار والضعف والاستسلام- لا تتجه قلوبهم إلا إلى السماء، مؤمنهم وكافرهم، وهذا معلوم ومشاهد بل أقر به من كان يعبد الأصنام، عندما سئل عن عدد الآلهة التي يعبدها، قال سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، فقيل له: «فمن الذي ترجو لنفعك وضرك»، قال: «الذي في السماء»، وحتى يومنا هذا وإلى يوم القيامة لا يرجو الخلق حال الاضطرار إلا الذي في السماء.

ولكن الجاحد لا يذكر ذلك إلا حال وقوعه فيه.

وفي النهاية، يتحدى الله -عز وجل- كل من يشرك به شيئا، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، هاتوا برهانكم وأدلتكم، على أن أحدا غير الله يملك الموت والحياة، أو يملك الرزق، أو يملك الضر والنفع المطلق، أو يملك النعيم والعذاب، لا أحد يملك برهانا ولا دليلا، فتقوم الحجة على الجميع، فلا ينبغي أن يقولوا إلا «لا إله إلا الله»، بألسنتهم وقلوبهم، وينبغي أن يظهر كل ذلك في عبادتهم وأعمالهم وإلا فإنهم ملاقو الله، ومحاسبهم على شركهم ومعذبهم عذابا شديدا على جحودهم.