بفضل الله صمنا رمضان، وأقمنا الصلوات في المساجد الجماعة والجمعة والتراويح والتهجد، بعد أن مُنعنا من أدائها رمضان الفائت (1441هـ). مع أن صلاة التراويح اختصرت إلى أقل من نصف ساعة والتهجد إلى أربعين دقيقة! – من الحجج العقلية التي أقامها الله -عز وجل- على من يشرك به غيره، في الدعاء خاصة، أن من تدعون لا يملكون شيئا، فكيف لهم أن ينفعوكم بشيء؟!

كنت في طريقي لقضاء أمر في أثناء ساعات الحظر الجزئي (8 مساء – 5 فجرا)، ومررت على نقطتين للتدقيق، ولكن شباب الداخلية لم يطلبوا تصريحا -مع أنه كان معي- ربما لكثافة لحيتي البيضاء!

     أدرت المذياع فإذا مجموع من طلبة العلم يتدارسون تفسير آيات من كتاب الله -تعالى- وهو قوله -سبحانه-:{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطرة:13-15). {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} أي هذا الذي من صنعه ما تقرر هو الخالق المدبر، والقادر المقتدر، فهو الذي يعبد. {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني الأصنام أو أي مخلوق آخر تدعونه من دون الله {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} أي لا يقدرون عليه ولا على خلقه. و{القطمير} القشرة الرقيقة البيضاء التي بين التمرة والنواة، قاله أكثر المفسرين، وقال ابن عباس: هو شق النواة، وقال قتادة: القطمير القمع الذي على رأس النواة. ويقال: هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة، تنبت منها النخلة.

     قوله -تعالى-: {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} أي إن تستغيثوا بهم في النوائب لا يسمعوا دعاءكم؛ لأنها جمادات لا تبصر ولا تسمع؛ إذ ليس كل سامع ناطقا، وقال قتادة: المعنى لو سمعوا لم ينفعوكم. وقيل: أي لو جعلنا لهم عقولا وحياة فسمعوا دعاءكم لكانوا أطوع لله منكم، ولما استجابوا لكم على الكفر.  {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي يجحدون أنكم عبدتموهم، ويتبرؤون منكم. ثم يجوز أن يرجع هذا إلى المعبودين مما يعقل، كالملائكة والجنة والأنبياء والشياطين، أي يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا، ويجوز أن يندرج فيه الأصنام أيضا، أي يُحييها الله حتى تخبر أنها ليست أهلا للعبادة. ومثل هذه الآية قوله -تعالى-: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} (سبأ:22).

     قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم من قومك -والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب- الجاحدين نعمنا عندهم: ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم شركاء لله -وهذا خطاب توبيخ- فسلوهم أن يفعلوا بكم بعض أفعالنا بالذين وصفنا أمرهم من إنعام أو إياس، فإن لم يقدروا على ذلك فاعلموا أنكم مبطلون؛ لأن الشركة في الربوبية لا تصلح ولا تجوز، ثم وصف الذين يدعون من دون الله فقال: إنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، نُفي عنهم ملك أحقر الأشياء وهو ما يساوي ذرة من السماء والأرض، والذرة: بيضة النمل التي تبدو حبيبة صغيرة بيضاء، وتقدم عند قوله -تعالى-: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (يونس:61)، فكيف لهم أن يملكوا شيئا من خير أو شر أو ضر أو نفع، فكيف يكون إلها من كان كذلك؟!

     وقوله: {وما لهم فيهما من شرك} ولا هم إذ لم يكونوا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض بملكه من دون الله يملكونه على وجه الشركة؛ لأن الأملاك في المملوكات لا تكون لمالكها إلا على أحد وجهين: إما مقسوما، وإما مشاعا، يقول: وآلهتهم التي يدعون من دون الله لا يملكون وزن ذرة في السماوات ولا في الأرض، لا مشاعا ولا مقسوما، فكيف يكون من كان هكذا شريكا لمن له ملك جميع ذلك. وقوله: {وما له منهم من ظهير} يقول: وما لله من الآلهة التي يدعون من دونه معين على خلق شيء من ذلك، ولا على حفظه؛ إذ لم يكن لها ملك شيءم نه مشاعا ولا مقسوما، فيقال: هو لك شريك من أجل أنه أعان وإن لم يكن له ملك شيء منه.

     {وما له منهم} من الذين يدعون من دون الله {من ظهير} من عون بشيء. وأتبع ذلك بنفي أن يكون شفيع عند الله يضطره إلى قبول الشفاعة فيمن يشفع له لتعظيم أو حياء. فقال -عز وجل-: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (سبأ:23). رد على قول المشركين {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} (يونس:18)، فنفيت شفاعتهم في عموم نفي كل شفاعة نافعة عند الله إلا شفاعة من أذن الله أن يشفع. وفي هذا إبطال شفاعة أصنامهم؛ لأنهم زعموا لهم شفاعة لازمة من صفات آلهتهم؛ لأن أوصاف الإله يجب أن تكون ذاتية فلما نفى الله كل شفاعة لم يأذن فيها للشافع انتفت الشفاعة المزعومة لأصنامهم.

وبهذا يندفع ما يتوهم من أن قوله: إلا لمن أذن له لا يبطل شفاعة الأصنام.

المقصود هنا إبطال رجائهم أن تشفع لهم آلهتهم عند الله فينتفعوا بشفاعتها؛ لأن أول الآية توبيخ وتعجيز لهم في دعوتهم الآلهة المزعومة فاقتضت إبطال الدعوة والمدعو.

     وقد جمعت الآية نفى جميع أصناف التصرف عن آلهة المشركين كما جمعت نفى أصناف الآلهة المعبودة عند العرب، لأن من العرب صابئة يعبدون الكواكب وهي في زعمهم مستقرة في السماوات تدبر أمور أهل الأرض فأبطل هذا الزعم قوله: {لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} فأما في السماوات فباعترافهم أن الكواكب لا تتصرف في السماوات وإنما تصرفها في الأرض، وأما في الأرض فبقوله: ولا في الأرض. ومن العرب عبدة أصنام يزعمون أن الأصنام شركاء لله في الإلهية فنفى ذلك بقوله: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} ومنهم من يزعمون أن الأصنام جعلها الله شفعاء لأهل الأرض، فنفى ذلك بقوله: ولا تنفع الشفاعة عنده الآية.