– كلما قرأت الآيات التي تبين إيمان السحرة بين يدي فرعون، وبحضور جماهير الشعب، وفي يوم عيد ووقت ضحى، وفي لحظة قمة التحدي لإبطال دعوة موسى وإثبات زعم فرعون، أجزم أن السحرة كانوا أصدق الناس (آنذاك)، وذلك أنهم كانوا الأساتذة في السحر، ووعدهم فرعون بالمنزلة القريبة منه، وبالمال الذي يرضيهم، واجتمعوا كلهم {وجاؤوا بسحر عظيم} ولم يمنعهم كل ذلك من السجود مباشرة تصديقا لموسى وتعظيما لربه، وكان بالإمكان تأجيل هذا الإعلان عن ذلك المشهد أو التمويه، أو الاعتذار بأي سبب، ولكنهم أيقنوا صدق موسى، وأن ما جاء به هو الحق، فأعلنوا إسلامهم بالسجود على مرأى من فرعون وملئه والناس أجمعين.

– وما مناسبة ذكرك لهذا الأمر؟

كنت وصاحبي في جولة بعد صلاة العشاء فوق (جسر جابر)، نزور إخوة لنا دعونا للعشاء في (الصبية)- منطقة صحراوية بحرية جميلة في الشتاء.

– أذكر موقف السحرة كلما تذكرت عناد كفار قريش مع النبي – صلى الله عليه وسلم -، وكلما سمعت من يعرض عن الإيمان بالله ويشكك في دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن يظن أن لديه حجة في عدم اتباع الهدي والتزام شرع الله -عز وجل-، ومن اتخذ منهجا مخالفا لما جاء به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أول شرط للوصول إلى الحق هو (الصدق)، أو (الإخلاص)، من كان يريد الحق بصدق وإخلاص، فإن الله يوفقه للوصول إليه، وهكذا حال السحرة، وحال بعض كفار قريش.

– هل لك أن تتحفنا بأمثلة من كتاب الله؟

كانت أضواء مدينة الكويت ساطعة وجميلة ونحن نعبر الجسر فوق مياه الخليج الهادئة.

– دعني أقرأ لك شيئا مما خزنته في هاتفي، لمست شاشة الهاتف واستخرجت بعض الآيات وتفسيرها.

مثلا يقول الله -تعالى-: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} (الطور:36-38).

      في تفسير سورة الطور من (صحيح البخاري) عن جبير بن مطعم قال: «سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} كاد قلبي أن يطير».

وكان جبير بن مطعم مشركا قدم على النبي – صلى الله عليه وسلم – في فداء أسرى بدر وأسلم يومئذ.

      قوله: (أم هم الخالقون) يقول: أم هم الخالقون هذا الخلق، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر الله، ولا ينتهون عما نهاهم عنه؛ لأن للخالق الأمر والنهي {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، يقول: أخلقوا السماوات والأرض فيكونوا هم الخالقين، وإنما معنى ذلك: لم يخلقوا السماوات والأرض، فيكون تخصيص السماوات والأرض بالذكر لعظم خلقهما.

وإعادة حرف أم للتأكيد والمعنى: أم هم الخالقون للسماوات والأرض.

والاستفهام إنكاري والكلام كناية عن إثبات أن الله خالق السماوات والأرض.

والمعنى: أن الذي خلق السماوات والأرض لا يعجزه إعادة الأجساد بعد الموت والفناء وهذا معنى قوله -تعالى-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} (الإسراء:99)، أي أن يخلق أمثال أجسادهم بعد انعدامهم.

      هم لم يخلقوا من غير شيء ولا خلقوا السماوات والأرض، فإن ذلك بين لهم فما إنكارهم البعث إلا ناشئ عن عدم إيقانهم في مظان الإيقان وهي الدلائل الدالة على إمكان البعث، وأنه ليس أغرب من إيجاد المخلوقات العظيمة، فما كان إنكارهم إياه إلا عن مكابرة وتصميم على الكفر.

والمعنى: أن الأمر لا هذا ولا ذاك، ولكنهم لا يوقنون بالبعث فهم ينكرونه دون حجة ولا شبهة، بل رانت المكابرة على قلوبهم.

{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ}.