أصابت جائحة كورونا كل أسرة في بلدنا، وأدت إلى وفاة بعض أحبابنا وجيراننا، جائحة لم نملك حيالها إلا التضرع إلى الله والدعاء حتى ييسر الله -عز وجل- إيجاد الدواء، إيمانا منا بقوله – صلى الله عليه وسلم -: «ما أنزل الله من داء وإلا وأنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله» اخرجه أحمد وابن ماجه (الصحيحة).

من الذين أصيبوا شقيقي (محمد) وأدخل المستشفى لحاجته إلى العناية الطبية، ولم يحتج -بفضل الله- إلى عناية فائقة، وكذلك زوجتي وابني بعد سفرهما إلى تركيا، وابنتي وزوجها، وكلهم تعافوا منه بفضل الله -تعالى.

– يعجب المرء من ضعف ابن آدم وجبروته، من قلة حيلته وعناده، ومن قصور قوته وتكبره، رغم أن إصابة قرابة المئة مليون ووفاة مليونين من البشر، إلا أن أكثر الناس غافلون، معرضون، لاهون، جاهلون، حتى من أمتنا وبني جلدتنا!

كنت وصاحبي في طريقنا مشيا لاحتساء قهوة الضحى بعد أن زرته في منزله الجديد، الذي أسأل الله أن يبارك له فيه، ويمتعه وأهله به.

– صدقت، معظم الناس يتعاملون مع هذه الجائحة بظاهرها المادي ويغفلون عن العبر والآيات من ورائها.

– هؤلاء -مع الأسف- لا يتعظون بأعظم من ذلك، لذلك ينبههم الله، اسمع مثل قول الله -تعالى-: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} (الأنعام:46-47).

في هذه الآية احتجاج على الكفار.

     قوله -تعالى-: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ}، ومعنى (أرأيتم) علمتم، (إن أخذ) أي أذهب وانتزع؛ لأن الله هو معطي السمع والبصر، فإذا أزالها كانت تلك الإزالة كحالة أخذ ما كان أعطاه، ووحد (سمعكم) لأنه مصدر يدل على الجمع. (وختم) أي طبع. ولعل إفراد السمع وجمع الأبصار جرى على ما يقتضيه تمام الفصاحة من خفة أحد اللفظين مفردا والآخر مجموعا عند اقترانهما، كما قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ} (الأحقاف:26).

والقلوب مراد بها العقول في كلام العرب؛ لأن القلب سبب إمداد العقل بقوة الإدراك.

     وقوله: (من إله)؟ استفهام، أي أعلمتم جواب هذا الاستفهام أم أنتم في شك؟ وهو استفهام مستعمل في التقرير، يقصد منه إلجاء السامعين إلى النظر في جوابه، فيوقنوا أنه لا إله غير الله يأتيهم بذلك؛ لأنه الخالق للسمع والأبصار والعقول، فضلا عن أنهم لا ينكرون أن الأصنام لا تخلق، ولذلك قال لهم القرآن: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (النحل:17).

     والمستفهم عنه هو (إله) أي ليس إله غير الله يأتي بذلك، فدل علي الواحدانية، ومعنى (يأتيكم به) يرجعه، والكلام جار مجرى التهديد والتخويف، اختير فيه التهديد بانتزاع سمعهم وأبصارهم وسلب الإدراك من قلوبهم؛ لأنهم لم يشكروا نعمة هذه المواهب، بل عدموا الانتفاع بها، كما أشار إليه قوله آنفا {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا} (الأنعام:25). فكان ذلك تنبيها لهم على عدم إجداء هذه المواهب عليهم مع صلاحيتها للانتفاع، وناسب هنا أن يهددوا بزوالها بالكلية إن داموا على تعطيل الانتفاع بها فيما أمر به خالقها.