– آيات كثيرة في كتاب الله -عز وجل- تبين ما أصاب النبي – صلى الله عليه وسلم – من هم وغم نتيجة إعراض قومه عن دعوته، مع حرصه الشديد على هدايتهم ورحمته بهم، كما قال -تعالى-: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:128)، ومن تلك الآيات قوله -سبحانه-: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف:6)، وقوله -سبحانه-: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (الشعراء:3)، وكذلك قوله -عز من قائل-: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام:33)، وقوله -سبحانه: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ  وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (هود:12).

كنت وصاحبي في طريقنا نزور أخا لنا، أدخل والده العناية الفائقة بعد إصابته بفيروس كورونا، ودخل في غيبوبة لأكثر من ثلاثة أسابيع، نواسيه ونخفف عنه مصابه.

– وقد أخبر الله -عز وجل- نبينا ما أصاب أقوام إخوانه الأنبياء قبله، تسلية له، وتخفيفا لما يجد من قومه، وتحذيرا للكفار منهم إن هم استمروا في غيهم، فذكر قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، قال الله -تعالى- في قوم نوح: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (نوح:32). وفي عاد قوم هود قال -تعالى ذكره-: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الأعراف:70). {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الأحقاف:22). وفي ثمود قوم صالح: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (الأعراف:77-78).

     يقول -تعالى ذكره-:  قال قوم نوح لنوح -عليه السلام-: قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين في دعواك أنك لله رسول، يعني بذلك أنه لن يقدر على شيء من ذلك فطلبوا العذاب الذي خوفهم به وحذرهم منه، فقال لهم: {قد وقع عليكم}، ومعنى وقع أي وجب، فأغرقهم الله جميعا إلا من ركب السفينة مع نوح إيمانا به واتباعا له {وما آمن معه إلا قليل}. يقول -تعالى ذكره-: قالت عاد لهود: أجئتنا تتوعدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين، كي نعبد الله وحده، وندين له بالطاعة خالصا، ونهجر عبادة الآلهة والأصنام التي كان آباؤنا يعبدونها ونتبرأ منها؟ فلسنا فاعلي ذلك ولا متبعيك على ما تدعونا إليه، فأتنا بما تعدنا من العقاب والعذاب على تركنا إخلاص التوحيد لله، وعبادتنا ما نعبد من دونه من الأوثان إن كنت من أهل الصدق على ما تقول وتعد، وعقبوا كلامهم بالشرط فقالوا: {إن كنت من الصادقين} استقصاء لمقدرته قصد منهم لإظهار عجزه عن الإتيان بالعذاب، فلا يسعه إلا الاعتراف بأنه كاذب، فأجابهم بأن أخبرهم بأن الله قد غضب عليهم، وأنهم وقع عليهم رجس من الله.

     فأرسل الله عليهم {ريحا صرصرا عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما}، وأما ثمود قوم صالح فعزموا على المصير إلى النكاية والإغاظة له -عليه السلام- ومن آمن به، ورسموا لابتداء عملهم أن يعتدوا على الناقة التي جعلها صالح -عليه السلام- لهم، وأقامها -بينه وبينهم- علامة موادعة ما داموا غير متعرضين لها بسوء، ومقصدهم من نيتهم إهلاك الناقة أن يزيلوا آية صالح -عليه السلام-؛ لئلا يزيد عدد المؤمنين به؛ لأن مشاهدة آية نبوءته سالمة بينهم تثير في نفوس كثير منهم الاستدلال على صدقه والاستئناس لذلك بسكوت كبرائّهم وتقريرهم لها على مرعاها وشربها، ولأن في اعتدائهم عليها إيذانا منهم بحفزهم للإضرار بصالح -عليه السلام- وبمن آمن به بعد ذلك، وليروا صالحا -عليه السلام- أنهم مستخفون بوعيده؛ إذ قال لهم: {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الأعراف:73).

     والضمير في قوله: {فعقروا} عائد إلى الذين استكبروا (الأعراف:75)، وقد أسند العقر إليهم وإن كان فاعله واحدا منهم؛ لأنه كان عن تمالؤ ورضى من الكبراء، كما دل عليه قول -تعالى- في سورة القمر (29): {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر}، وفي حديث البخاري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكر في خطبته الذي عقر الناقة فقال: «انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه» (عارم : جبار).

     والعتو تجاوز الحد في الكبر، و(أمر ربهم) هو ما أمرهم به على لسان صالح -عليه السلام- من قوله: {ولا تمسوها بسوء} (الأعراف:73)، وقد فرضوا كونه من المرسلين بحرف (إن) الدال على الشك في حصول الشرط، أي إن كنت من الرسل عن الله فالمراد بالمرسلين من صدق عليهم هذا اللقب، وهؤلاء لجهلهم بحقيقة تصرف الله -تعالى- وحكمته، يحسبون أن تصرفات الله كتصرفات الخلق، فإذا أرسل رسولا ولم يصدقه المرسل إليهم غضب الله وأنزل العقاب إليهم، ولا يعلمون أن الله يمهل الظالمين ثم يأخذهم متى شاء.

     وجملة {فأخذته الرجفة} معترضة بين جملة فعقروا الناقة وبين جملة {فتولى عنهم} (الأعراف:79) أريد باعتراضها التعجيل بالخبر عن نفاذ الوعيد فيهم بعقب عتوهم أي لم يكن بين العقر وبين الرجفة زمن طويلة، كان بينهما ثلاثة أيام، كما ورد في آية سورة هود: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}، فإن صالحا قال لهم: إنه بقي من عمركم ثلاثة أيام. وقيل: عقرها عاقرها ومعه ثمانية رجال، وهم الذين قال الله فيهم: {وكان في المدينة تسعة رهط} (النمل:48).

     لذلك لم يجب النبي – صلى الله عليه وسلم – لكفار قريش مطلبهم رحمة بهم وخوفا عليهم، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سأل أهل مكة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي الجبال عنهم، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوه، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من كان قبلهم، قال: لا، بل أستأني بهم» (السلسلة الصحيحة).