– الآيات التي فيها عتاب من الله لرسوله – صلى الله عليه وسلم – تبين مكانة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند الله -عز وجل-، وتأتي رقيقة لطيفة تهيئ نفس النبي – صلى الله عليه وسلم – أولا، لاستقبال العتاب، وتأتي بأسلوب غير مباشرمسبوق بالعفو والمغفرة، وجاءت هذه الآيات بصيغة العموم مثل قوله -تعالى-: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال:67).

استوقفني صاحبي.

– هذه الآية من سورة الأنفال أليس المقصود منها (أسارى بدر)؟

– بلى، هي كذلك، ولو قرأنا تفسيرها بإسهاب لوجدنا أن فيها تربية وتقويما للأمة أكثر مما فيها من عتاب ولوم للنبي -[-.

– هات ا أبا يوسف ملخص تفسير هذه الآية من حاسوبك.

كنت وصاحبي إبراهيم (أبو يوسف) وثالثنا خالد (أبو أحمد)، في مكتبة المسجد، بعد صلاة العشاء، بانتظار رابعنا وائل الذي كان ملتزما بالصلاة إماما في مسجد آخر، لنخرج للعشاء.

– إليك ما وجدت في كتب التفسير.

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال:67).

ما كان لنبي أن يحتبس كافرًا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمنّ.

و«الأسر» في كلام العرب: الحبس, يقال منه: «مأسورٌ», يراد به: محبوس. ومسموع منهم: «أبَاله الله أسْرًا».

وإنما قال الله -جل ثناؤه- ذلك لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم -، يعرِّفه أن قتل المشركين الذين أسرهم – صلى الله عليه وسلم – يوم بدر ثم فادى بهم، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.

وقوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}، يقول: حتى يبالغ في قتل المشركين فيها, ويقهرهم غلبة وقسرًا.

والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب، ولا أراد قط عرض الدنيا، وإنما فعله جمهور مباشري الحرب، فالتوبيخ والعتاب إنما كان متوجها بسبب من أشار على النبي – صلى الله عليه وسلم – بأخذ الفدية. هذا قول أكثر المفسرين، وهو الذي لا يصح غيره.

روى مسلم من حديث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، قال ابن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى»؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «ما ترى يا بن الخطاب»؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان (نسيبا لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوي رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر قاعديْن يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة» (شجرة قريبة كانت من نبي الله – صلى الله عليه وسلم -) وأنزل -الله عز وجل- {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله -تعالى-: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} (الأنفال:69)، فأحل الله الغنيمة لهم.

لم يُوح الله إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بشيء في ذلك، وأنّ الله أوْكل ذلك إلى اجتهاده فرأى أنّ يستشير الناس ثم رجَّح أحد الرأيين باجتهاد، فإنّهم قد أسلم منهم، حينئذ، سُهيل بن بيضاء، وأسلم من بعدُ العباسُ وغيره، وقد خفي على النبي – صلى الله عليه وسلم – شيء لم يعلمه إلاّ الله وهو إضمار بعضهم -بعد الرجوع إلى قومهم- أن يتأهّبوا لقتال المسلمين من بعد.