ما زال الحديث موصولا عن قول الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم «أما اليتيم فلا تقهر»، حيث ذكرنا أن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم هو أمر للأمة جميعًا.

– سورة الشرح: سميت في معظم التفاسير وفي (صحيح البخاري) و(جامع الترمذي) (سورة ألم نشرح)، وفي بعض التفاسير تسميتها (سورة الانشراح). والشرح حقيقته: فصل أجزاء اللحم بعضها عن بعض، ومنه الشريحة للقطعة من اللحم، والتشريح في الطب، ويطلق على انفعال النفس بالرضى بالحال المتلبس بها. فجعل إزالة ما في النفس من حزن مثل شرح اللحم وهذا الأنسب بقوله: {فإن مع العسر يسرا} (الشرح:15).

     فسرها ابن عباس بأن الله شرح قلبه بالإسلام، وعن الحسن قال: شرح صدره أن مُلئ علما وحِكَمًا، وقال سهل بن عبدالله التستري: شرح صدره بنور الرسالة. وعلى هذا الوجه حمله كثير من المفسرين، ونسبة ابن عطية إلى الجمهور، ويجوز أن يجعل الشرح شرحا بدنيا، وروي عن ابن عباس أنه فسر به، واختلاف الروايات حمل بعض أهل العلم علي القول بأن شق صدره الشريف تكرر مرتين إلى أربع، منها حين كان عند حليمة، وفي حديث عبدالله بن أحمد بن حنبل أن الشق كان وعمر النبي – صلى الله عليه وسلم – عشر سنين.

والذي في (الصحيح) عن أبي ذر أنه كان عند المعراج به إلى السماء، واللام في قوله: لك لام التعليل، وهو يفيد تكريما للنبي –صلى الله عليه وسلم – بأن الله فعل ذلك لأجله.

– والمعنى: أن الله أزال عنه كل ما كان يتحرج منه من عادات أهل الجاهلية التي لا تلائم ما فطر الله عليه نفسه من الزكاة والسمو، ولا يجد بدا من مسايرتهم عليه؛ فوضع عنه ذلك حين أوحى إليه بالرسالة، وكذلك ما كان يجده في أول بعثته من ثقل الوحي فيسره الله عليه بقوله: {سنقرئك فلا تنسى} إلى قوله: {ونيسرك لليسرى} (الأعلى:6-8).

– وأنقض: جعل الشيء ذا نقيض، والنقيض صوت صرير المحمل والرحل وصوت عظام المفاصل، وفرقعة الأصابع.

والآية تشير إلى أحوال كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في حرج منها أو من شأنه أن يكون في حرج، وأن الله كشف عنه ما به من حرج منها، أو هيأ نفسه لعدم النوء بها.

     لما قابلوا إرشاده بالإعراض وملا طفته لهم بالامتعاض، حدث في صدره ضيق آخر أشار إلى مثل قوله -تعالى-: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (الشعراء:3) وذلك الذي لم يزل ينزل عليه في شأنه رَبْطُ جأشه بنحو قوله -تعالى-: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} (البقرة:272)؛ فكلما نزل عليه وحي من هذا أكسبه شرحا لصدره، وسياق الكلام وعد للنبي – صلى الله عليه وسلم – بأن ييسر الله له المصاعب كلما عرضت له؛ فاليسر لا يتخلف عن اللحاق بتلك المصعاب، وذلك من خصائص كلمة (مع) الدالة على المصاحبة.

وكلمة (مع) هنا مستعملة في غير حقيقة معناها؛ لأن العسر واليسر نقيضان فمقارنتهما معا مستحيلة، فتعين أن المعية مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر أو ظهور بوادره، بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية، وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله -تعالى-: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} في سورة الطلاق.

     عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام، وقد تألب عليه القوم فكتب إليه عمر: «سلام عليك أما بعد فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا، ولن يغلب عسر يسرين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران:200)»، قال: فكتب إليه أبو عبيدة: «سلام عليك أما بعد، فإن الله يقول في كتابه: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} (الحديد:20)، إلى آخرها قال: فخرج عمر بكتابه فقعد على المنبر فقرأ على أهل المدينة، ثم قال: يا أهل المدينة، إنما يُعرِّض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».