– من القواعد التي اتفق عليها أهل العلم أن أوامر الله لرسوله – صلى الله عليه سلم – إنما يراد بها أمته من بعده، إلا ما ثبت اختصاصه بالنبي – صلى الله عليه سلم -، مثل: أمره بالتقوى والإخلاص والاستمرار في الطاعات، وعدم مداهنة الكافرين أو الركون للظالمين، وعدم السعي لإرضاء اليهود والنصارى، وغير ذلك مما ورد في كتاب الله.

– وما أمثلة ما اختص به رسول الله – صلى الله عليه سلم – من أوامر؟

– مثلا، حرمت عليه وعلى آل بيته الصدقة، وأنه إذا لبس للحرب حرم عليه أن ينزع، وحرم عليه تعلم الشعر والكتابة، وأن يتزوج أحد من نسائه بعد موته، وكان قيام الليل واجبا عليه -على أحد الأقوال، وله أن يواصل في الصيام، وأباح الله له الزيادة على أربع زوجات.

     كنا في طريقنا إلى المقبرة لأداء صلاة العصر هناك في المسجد ثم نتبع ما كان من جنائز للصلاة عليها وزيارة القبور للاعتبار؛ حيث اعتدت وصاحبي أن نفعل ذلك بين فترة وأخرى.

– في بداية سورة الزمر أمر من الله لرسوله بعبادة الله بإخلاص، كلما تذكرت هذه الآيات، تحسرت على حالنا في (الإخلاص)، وعرفت ضعف حالنا مقارنة بالصحابة في هذه القضية.

صدقت يا أبا أحمد.

– يقول -تعالى-: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (الزمر:2-3).

     أنزلنا إليك هذا القرآن الذي يأمر بالحق والعدل، ومن ذلك الحق والعدل أن تعبد الله مخلصا له الدين؛ لأن الدين لله لا للأوثان التي لا تملك ضرا ولا نفعا.

     عقبة بن مسلم حدثه أن شُفيًّا الأصبحيَّ  حدثه: أنه دخل مسجد المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرة، قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت له: أنشدك بحقي لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله – صلى الله عليه سلم – عقلته وعلمته؛ فقال أبو هريرة: أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه سلم – عقلته وعلمته ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكث قليلا ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه سلم – وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى فمكث كذلك ثم أفاق فمسح عن وجهه فقال: أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله -[- وأنا وهو في هذا البيت ما معه أحد غيري وغيره، ثم نشغ نشغة شديدة ثم مال خارا على وجه واشتد به طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله – صلى الله عليه سلم -: «أن الله -تبارك وتعالى- إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية؛ فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتل في سبيل الله، ورجل كثير المال؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي – صلى الله عليه سلم -؟ قال: بلى يا رب قال: فماذا عملت فيما علمته؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردتَ أن يقال: فلا قارئ؛ فقد قيل ذلك.

     ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق؟ فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة له: كذبت، ويقول الله: بل إنما أردتَ أن يقال: فلان جواد؛ فقد قيل ذاك. ويؤتى بالذي ٍقُتل في سبيل الله فيقال له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أُمرتُ بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت؛ فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردتَ أن يقال: فلان جريء؛ فقد قيل ذاك» ثم ضرب رسول الله – صلى الله عليه سلم – ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة». قال الوليد بن أبي الوليد: فأخبرني عقبة أن شُفيا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا الخبر.