– صدمني أحدهم بسؤاله عن قول الله -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28)، كيف يخشى الله من العلماء؟ كنت أعلم أن نسبة كبيرة من (العرب) لا يعرفون ألف باء القواعد النحوية، فضلا عن فنون البلاغة وغيرها من أدوات لغتنا الجميلة.. بل لغة القرآن التي هي أكمل لغة يمكن التخاطب بها؛ لأنه -القرآن- كلام الله -عز وجل-؛ فلا شك أنه أكمل كلام، لا نقص فيه على الإطلاق، ولكن لم يخطر على بالي إطلاقا أن يعجز أحد عن التفريق بين الفاعل والمفعول به! وبين الضمة والفتحة!

كنت وصاحبي في حوار هادف كعادتنا دائما، ونحن في طريقنا لتفقد بيته الجديد، فقد كان يشتكي من صوت غير طبيعي في أحد أجهزة التكييف، أخبرته الشركة المعنية أنهم عملوا اللازم وتداركوا العطل.

– المشكلة أن كثيرا من الأجيال الجديدة مَنْ دون العشرين، يتقنون اللغة الإنجليزية أكثر من لغة القرآن، والذين من بعدهم بالكاد يعرفون كيف يقرؤون القرآن، وذلك أن التعليم الخاص أصبح أحد متطلبات الأجيال الجديدة.

– لو أن أحدهم بذل جهدا بسيطا، لاستمتع بلغة القرآن، وتكون قراءته لكتاب الله، عبادة، وسعادة.

– لدي استفسار حول قول الله -تعالى-: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزخرف:81)، أشعر أنني غير مرتاح لفهمي لهذه الآية.

– الحل بسيط، ما عليك إلا أن ترجع إلي كتب التفسير -وهي بفضل الله- على بعد ضغطة زر، ونطَّلع على ما تشاء من أقوال العلماء، في هذه الآية (81) من سورة الزخرف، دعني أخرج لك أقوال العلماء:

{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الزخرف:82-82).

عن الحسن قال: أربع في القرآن: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، وقوله: {لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ}، ما كنا فاعلين، وقوله: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ما كان للرحمن ولد، وقوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} ما مكناهم فيه.

عن مجاهد {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} كما تقولون {فأنا أول العابدين} المؤمنين بالله، فقولوا ما شئتم. عن ابن عباس، قوله: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين.

عن قتادة، قوله: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} قال قتادة وهذه كلمة من كلام العرب {إن كان للرحمن ولد}: أي أن ذلك لم يكن، ولا ينبغي.

وقيل: المعنى قل يا محمد إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد، وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت ما قلت بالدليل فأنا أول من يعتقده، وهذه مبالغة في الاستبعاد، أي لا سبيل إلى اعتقاده.

قل إن كان للرحمن ولد مع علم السامعين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يروج عنده ذلك، ونظم الآية دقيق ومعضل، وتحته معان جمة:

– وأولها وأولاها: أنه لو يعلم أن لله أبناء لكان أو لمن يعبدهم، أي أحق منكم بأن أعبدهم. فالدليل مركب من ملازمة شرطية، والشرط فرضي، والملازمة بين الجواب والشرط مبنية على أن المتكلم عاقل داع إلى الحق والنجاة فلا يرضى لنفسه ما يورطه، وأيضا لا يرضى لهم إلا ما رضيه لنفسه، وهذا منتهى النصح لهم، وبه يتم الاستدلال ويفيد أنه ثابت القدم في توحيد الإله.

ونُفي التعددُ بنفي أخص أحوال التعدد وهو التعدد بالأبوة والبنوة كتعدد العائلة، وهو أصل التعدد فينفي أيضا تعدد الآلهة الأجانب بدلالة الفحوى.

وكما في قوله -تعالى-: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الأنبياء:22).

ويدل لهذا ما رواه في (الكشاف) أن النضر بن عبدالدار بن قصي قال: إن الملائكة بنات الله فنزل قوله -تعالى-: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}. فقال النضر: ألا ترون أنه قد صدقني، فقال له الوليد بن المغيرة: ما صدقك ولكن قال: ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة. فكونُ (إن كان) بمعنى ما كان -كثيرٌ في القرآن وفي كلام العرب، كقوله -تعالى-: {إن كانت إلا صيحة واحدة}، أي ما كانت إلا صيحة واحدة.

فقولك مثلا معنى الآية الكريمة: ما كان لله ولد فأنا أول العابدين الخاضعين للعظيم الأعظم، المنزه عن الولد، أول الآنفين المستنكفين من أن يوصف ربنا بما لا يليق بكماله وجلاله من نسبة الولد إليه، أو الجاحدين النافين أن يكون لربنا ولد -سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا- لا إشكال فيه؛ لأنه جار على اللغة العربية التي نزل بها القرآن، دال على تنزيه الله تنزيها تاما عن الولد، من غير إيهام البتة لخلاف ذلك.

– الأمر الثاني: أن تنزيه الله عن الولد بالعبارات التي لا إيهام فيها -هو الذي جاءت به الآيات الكثيرة في القرآن، كما قدمنا إيضاحه في سورة (الكهف) في الكلام على قوله -تعالى-: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} (الكهف:4)، وفي سورة (مريم) في الكلام على قوله -تعالى-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} (مريم:88-89)، والآيات الكثيرة التي ذكرناها في ذلك تبين أن (إن) نافية.

فالنفي الصريح الذي لا نزاع فيه يبين أن المراد في محل النزاع -النفي الصريح. وخير ما يفسر به القرآن القرآن، فكون المعبر به في الآية {ما كان للرحمن ولد}، بصيغة النفي الصريح – مطابق لقوله -تعالى- في سورة (بني إسرائيل): {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} الإسراء:111). وقوله -تعالـى: {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} (الفرقان:2)، وقوله -تعالى-: {ما اتخذ الله من ولد}، وقوله -تعالى-:{لم يلد ولم يولد}، وقوله -تعالى-: {أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (الصافات:151-152)، إلى غير ذلك من الآيات، ولما قال -تعالى-: {إن كان للرحمن ولد} نزه نفسه تنزيها تاما عما يصفونه به من نسبة الولد إليه، مبينا أن رب السماوات والأرض ورب العرش، جدير بالتنزيه عن الولد، وعن كل ما لا يليق بكماله وجلاله.

– اتضحت الصورة وظهر المعنى -بفضل الله-، جزاك الله خيرا.