– لا شك أن الله -سبحانه وتعالى- أكرم خاتم أنبيائه وميزه في كتابه، ورفع قدره بين إخوانه؛ بحيث لا يستطيع حاقد ولا مبغض ولا متعصب أن ينكر ذلك؛ لأنه جاء صريحا محكما في كتاب -حفظه الله- إلى يوم القيامة.

– وهل ينكر ذلك أحد؟!

– نعم، بعض جهلة المسلمين الذين يستمعون ويتابعون بعض وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات التي تحاول بث الشبهات حول النبي – صلى الله عليه وسلم -، والرد على هؤلاء سهل ويسير، يستطيع أي أحد أن يثبت بطلان زعمهم.

كنت وصاحبي في زيارة قصيرة إلى مصر، لزيارة أحد الأصدقاء القدامى، قد بلغنا أنه مرض واضطر لإجراء عملية، وتبعد قريته ساعة ونص من مقر سكننا.

– هؤلاء الذين يحاولون أن ينالوا من مكانة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخلاقه ودعوته وتعاملاته، نقول لهم، كان في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم – من كان أكثر عداوة منكم للنبي – صلى الله عليه وسلم -، وكان أشد حرصا على النيل منه، والحط من قدره، والطعن في رسالته، ومع ذلك لم ينالوا من غايتهم شيئا، ثم أثبت الله علو مكانته وحسن خلقه وكمال دعوته في آيات لا يستطيع أحد أن يحرفها إلى يوم القيامة، فلا تتعبوا أنفسكم بالخوض في هذا الأمر.

– هات بعض ما ذكره الله في بيان مكانة النبي – صلى الله عليه وسلم -، كان قائد المركبة مصغيا لحديثنا، ولم يخف استمتاعه بما يسمع، مبتسما أحيانا، مصليا على الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحيانا أخرى، مهللا تارة.

– بادئ ذي بدء، أكرمه الله حين خاطبه بألقابه وصفاته وليس باسمه المجرد، مع أن الأنبياء جميعهم خاطبهم الله بأسمائهم، عدا محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه لم يقل ولا مرة واحدة في كتابه (يا محمد)! قال -سبحانه-: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} (هود:46)، وقال -سبحانه-: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (هود:76)، وقال -سبحانه-: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} (طه:17)، وقال -سبحانه-: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (آل عمران:55)، وهؤلاء هم خيرة الأنبياء وأولو العزم من الرسل، أما الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – فقد كان الخطاب له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفال:64)، وتكرر هذا النداء (13) مرة في كتاب الله، {يأيها الرسول} مرتين في كتاب الله، ولم يخاطبه بـ(يا محمد).

– كلام جميل، وماذا بعد؟.

– وصف الله -سبحانه- رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأكمل الأوصاف وأجمل النعوت، فقد زكاه في كل شيء.

زكاه في عقله {ما ضل صاحبكم وما غوى}، وفي منطقه {وما ينطق عن الهوى}، وفي خلقه {وإنك لعلى خلق عظيم}، وفي مصدر تعلمه {علمه شديد القوى}، وتكفل برفع ذكره وإبقائه إلى يوم القيامة عاليا {ورفعنا لك ذكرك}.

– وقبل الرسالة؟

– لقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – في أشرف نسب، بشهادة أعدائه، وحديث أبي سفيان مع هرقل، عندما استلم هرقل رسالة من الرسول – صلى الله عليه وسلم – في فترة الهدنة بينه وبين قريش بعد صلح الحديبية، كان في رسالة إلى هرقل: «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعوة الإسلام أسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران:64).

للحديث بقية إن شاء الله