– بعد الاجتماع الذي عقد في مملكة البحرين (26-27 يونيو 2019).. حول قضايا اقتصادية تتعلق بالقضية الفلسطينية، ظهرت إعلانات تقول: (لا يضرهم من خذلهم)، وصورة للمسجد الأقصى، ولا أعرف ما قصد صاحب الفكرة، ولكن الظاهر: «أن من خذل الفلسطينيين لن يضرهم»، ولكن الاستشهاد بهذا المقطع من حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – غير صحيح، ويوحي بأمور لم ترد في شرح الحديث.

– هل هذا الحديث ثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟

– نعم، ورد في الصحيحين والمسند والسنن.

عن عمير بن هاني أنه سمع معاوية يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «لايزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله, وهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله, وهم على ذلك»، قال معاذ: وهم بالشام؛ فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول وهم بالشام» البخاري وفي صحيح مسلم، عن ثوبان قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».

– وفي شرح الحديث: المراد بقوله – صلى الله عليه وسلم -: حتى يأتي أمر الله من الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة، وأن المراد برواية من روى حتى تقوم الساعة أي تقوم الساعة وهو خروج الريح، وأما هذه الطائفة، فقال البخاري: هم أهل العلم، وقال: أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟ قال القاضي عياض إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.

– وما مناسبة حديثك هذا ونحن نتحدث عن آيات الله وخطابه لرسوله – صلى الله عليه وسلم -؟!

– في هذه الآية من سورة هود يأمر الله -سبحانه وتعالى- نبيه، والأمر للأمة، وإلا فالنبي – صلى الله عليه وسلم – أول من يلتزم أوامر الله وأتقى الخلق لله، وأعلم الخلق بالله، – صلى الله عليه وسلم -، يقول -تعالى-: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (هود:112-113).

عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية شمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فما رؤي ضاحكا.

أمر -سبحانه- رسوله – صلى الله عليه وسلم – بكلمة جامعة لأنواع الطاعة له -سبحانه- فقال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} أي كما أمرك الله، فيدخل في ذلك ما أمره به وما نهاه عنه؛ لأنه قد أمره بتجنب ما نهاه عنه كما أمره بفعل ما تعبده بفعله، وأمته تابعة له في ذلك. ولا تطغوا (الطغيان) مجاوزة الحد، لما أمر الله -سبحانه- بالاستقامة المذكورة بيّن أن الغلو في العبادة والإفراط في الطاعة على وجه تخرج به عن الحد الذي حده والمقدار الذي قدره ممنوع منه منهي عنه؛ وذلك كمن يصوم ولا يفطر، ويقوم الليل ولا ينام، ويترك الحلال الذي أذن الله فيه.

والاستقامة هي العمل بكمال الشريعة؛ بحيث لا ينحرف عنها قيد شبر، ومتعلقها العمل بالشريعة بعد الإيمان؛ لأن الإيمان أصل فلا تتعلق به الاستقامة. وقد أشار إلى صحة هذا المعنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي عمرة الثقفي لما قال له: «يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحد غيرك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم»، فجعل الاستقامة شيئا بعد الإيمان.

ووجه الأمر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – تنويها بشأنه ليبني عليه قوله: كما أمرت فيشير إلى أنه المتلقي للأوامر الشرعية ابتداء، وهذا تنويه له بمقام رسالته، ثم أعلم بخطاب أمته بذلك بقوله: ومن تاب معك. وكاف التشبيه في قوله: كما أمرت في موضع الحال من الاستقامة المأخوذة من (استقم)، ومعنى تشبيه الاستقامة المأمور بها بما أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم – لكون الاستقامة مماثلة لسائر ما أمر به، وهو تشبيه المجمل بالمفصل في تفصيله بأن يكون مثله.

وقد جمع قوله: فاستقم كما أمرت أصول الصلاح الديني وفروعه لقوله: كما أمرت. قال ابن عباس: ما نزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه؛ ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب «شيبتني هود وأخواتها». وسئل عما في هود فقال: قوله فاستقم كما أمرت.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال أبو بكر – رضي الله عنه -: يا رسول الله قد شبت، قال: «شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت». وقيل: له والمراد أمته، قال السدى، وقيل: «استقم» اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك، فتكون السين سين السؤال، كما تقول: أستغفر الله أطلب الغفران (منه)، والاستقامة الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال، فاستقم على امتثال أمر الله.

وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن عثمان بن حاضر الأزدي قال: دخلت على ابن عباس فقلت أوصني؛ فقال: نعم، عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع. (ومن تاب معك) أي استقم أنت وهم، يريد أصحابه الذين تابوا من الشرك ومن بعده ممن اتبعه من أمته.

قوله -تعالى-: {ولا تركنوا} الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة: معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم. ابن جريج: لا تميلوا إليهم. أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم، وكله متقارب. وقال ابن زيد: الركون هنا الإدهان وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم.

قوله -تعالى-: {إلى الذين ظلموا} قيل: أهل الشرك، وقيل: عامة فيهم وفي العصاة، على نحو قوله -تعالى-: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} (الأنعام:3)، وقد تقدم، وهذا هو الصحيح في معنى الآية، وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن كانت الصحبة عن ضرورة وتقية فقد مضى القول فيها في (آل عمران) و(المائدة)، وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار. قوله -تعالى-: {فتمسكم النار} أي تحرقكم. بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم.