– (النزغ)، و(النغز)، لغتان بمعنى واحد، من الشيطان (أدنى وسوسة)، وهو (كالهمز)، وأصل (النزغ) الفساد، ومنه قول الله -تعالى-: {مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}(يوسف: 100)، وفي خطاب الله -سبحانه وتعالى- لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم . {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأعراف: 200)، وكذلك {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(فصلت: 36).

وهذا إرشاد للأمة من خلال رسولنا صلى الله عليه وسلم في علاج نزغ الشيطان بأنواعه.

كنت وصاحبي في طريقنا إلى المقبرة لأداء صلاة العشاء، ثم نشهد جنازة والد أخ لنا وفي أشهر الصيف (6-7)، عندما تكون درجة الحرارة خمسين درجة مئوية في الظل، وفي الشمس تتجاوز ذلك بكثير؛ فيفضل الناس دفن موتاهم ليلاً، مع أن كثيرا من الناس كان يظن أن الدفن لا يجوز ليلاً!

كان صاحبي يتولى القيادة، وأنا أقرأ من مختصرات كتب التفسير.

– وماذا ورد في تفسير هاتين الآيتين؟

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأعراف: 199- 200).

المعنى إن ألقى إليك الشيطان ما يخالف هذا الأمر بأن سوّل لك الأخذ بالمعاقبة، أو سوّل لك ترك أمرهم بالمعروف غضبا عليهم، أو يأسا من هداهم، فاستعذ بالله منه ليدفع عنك حرجه ويشرح صدرك لمحبة العمل بما أمرت به.

والاستعاذة مصدر طلب العوذ؛ فالسين والتاء فيها للطلب، والعوذ الالتجاء إلى شيء يدفع مكروها عن الملتجئ، يقال: عاذ بفلان، وعاذ بالحرم، وأعاذه إذا منعه من الضر الذي عاذ من أجله.

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يأتي الشيطان أحدكم، فيقول له: من خلق كذا وكذا، حتى يقول له: من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينتهِ»، وفيه عن عبدالله قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، قال: «تلك محض الإيمان»، وفي حديث أبي هريرة: «ذلك صريح الإيمان». والصريح الخالص.

الإشارة إلى ما وجدوه من الخوف من الله -تعالى- أن يعاقبوا على ما وقع في أنفسهم؛ فكأنه قال جزعكم من هذا هو محض الإيمان وخالصه، لصحة إيمانكم، وعلمكم بفسادها.

كما في الصحيح؛ فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: «أو قد وجدتموه»؟ قالوا: نعم، قال: «ذلك صريح الإيمان رغما للشيطان حسب ما نطق به القرآن في قوله: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}. وفي آيات (فصلت) {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

قرأ أهل البصرة طيف، وكذا أهل مكة، وقرأ أهل المدينة، والكوفة طائف.

وقرأ سعيد ابن جبير طَيِّفٌ بالتشديد.

قال النحاس: ومعناه في اللغة ما يتخيل في القلب، أو يرى في النوم، وكذا معنى طائف. وقيل: الطيف والطائف معنيان مختلفان؛ فالأول: التخيل، والثاني: الشيطان نفسه. {وما يلقاها إلا الذين صبروا}، قال: الرجل يشتمه أخوه، فيقول: إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما، عن سليمان بن صرد، قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد غضب أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، فقال الرجل: أمجنون تراني؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. ولما كان العبد لابد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لايزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر -تعالى- علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان؛ فأذنب بفعل محرم أو ترك واجبا، تذكر من أي باب أتي، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب الله عليه، وما عليه من لوازم الإيمان؛ فأبصر واستغفر الله -تعالى- واستدرك ما فرط فيه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.

وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم؛ فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك.

وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة؛ فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق؛ فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله؛ فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليستعذ بالله من الشيطان» (ضعفه الألباني ثم صححه في المشكاة).

– وكيف يمكن أن نعرف آخر من استقر عليه العلامة الألباني في حكمه على الحديث؟

– من طلبة العلم من تتبع ما تراجع عنه الشيخ الألباني -رحمه الله- وجمع كل ذلك في (تراجعات الشيخ الألباني)، والمحدث الشيخ الألباني اجتهد وتميز في عصرنا هذا، وتفرد بهذا (الفن)، ومع ذلك فهو بشر، يخطئ ويصيب، وصوابه لاشك أنه أكثر بكثير من خطئه؛ فما أصاب فيه أجر، وما أخطأ فيه عذر، ولكنه لاشك خدم سنة النبي صلى الله عليه وسلم خدمة عظيمة جليلة حتى أصبحت أحكامه مرجعاً زمننا هذا -رحمه الله رحمة واسعة.