مازلنا في الحديث عن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي وشرح حديث قتادة بن النعمان رضي الله عنه ، واليوم نستكمل الحديث.

قال قتادة: فأتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فكلمته، فقال: «عمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت! قال: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ذلك، فأتيت عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: الله المستعان!

فلم نلبث أن نزل القرآن: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}، يعني: بني أبيرق {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ}، أي: مما قلت لقتادة، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ}، أي: بني أبيرق: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} إلى قوله: {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}، أي: إنهم إن يستغفروا الله لهم يغفر لهم، {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.

فلما نزل القرآن، أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالسلاح فرده إلى رفاعة.

قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح، وكان شيخا قد عسا في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولا، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله. قال: فعرفت أن إسلامه كان صحيحا.

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: {ولولا فضل الله عليك ورحمته}، ولولا أن الله تفضل عليك، يا محمد فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن، فكففت لذلك عن الجدال عنه، ومدافعة أهل الحق عن حقهم قبله، {لهمت طائفة منهم}، يقول: لهمت فرقة منهم، يعني: من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم: {أن يضلوك}، يقول: يزلوك عن طريق الحق، وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه – صلى الله عليه وسلم -، وشهادتهم للخائن عنده بأنه بريء مما ادعى عليه، ومسألتهم إياه أن يعذروه ويقوم بمعذرته في أصحابه، فقال الله -تبارك وتعالى-: وما يضل هؤلاء الذين هموا بأن يضلوك عن الواجب من الحكم في أمر هذا الخائن درع جاره، {إلا أنفسهم}.

وذكر المفسرون أن سبب نزولها: أن أهل بيت سرقوا في المدينة، فلما اطلع على سرقتهم خافوا الفضيحة، وأخذوا سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك.

واستعان السارق بقومه أن يأتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويطلبوا منه أن يبرئ صاحبهم على رؤوس الناس، وقالوا: إنه لم يسرق وإنما الذي سرق من وجدت السرقة في بيته وهو البريء، فهمَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يبرئ صاحبهم، فأنزل الله هذه الآيات تذكيرا وتبيينا لتلك الواقعة وتحذيراً للرسول – صلى الله عليه وسلم – من المخاصمة عن الخائنين، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وهذه الحادثة وغيرها إنما هو بيان لتشريع الله -عز وجل- وكيف يجب على من يأتي بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يتصرف، بطلب البينة على من ادعى واليمين على من أنكر مع تذكير الجميع بوجوب تقوى الله والخوف منه وتذكيرهم بالحساب والعذاب.