– من أخطر مشكلاتنا في الزمن الحاضر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي؛ بحيث أصبح المرء يلقي الكلمة متكئا على أريكته في بيته فتصل خلال دقائق إلى آلاف الناس، ولا ينقضي اليوم إلا وقد بلغت مشارق الأرض ومغاربها، وكل ما يقال في هذا الوسط يجد من يتلقاه، ويصدقه، وينقله، ويدافع عنه، مهما بلغ من عدم المصداقية وفقدان أسس النقل العلمي، الجمعة مثلا، انتشر منذ فترة قصيرة تساؤل أين خطب الجمعة للرسول – صلى الله عليه وسلم – التي ألقاها على مدار السنوات العشر التي قضاها في المدينة؟ وترددت هذه المقولة وكأن الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم أخفوا خطب النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم انتشرت مقولة تشكك في (صحيح البخاري)، وكأن أحاديث الصحيح أصبحت كأحاديث المجلات والجرائد، مع أنه لم يطعن أو يشكك أحد من أهل الاختصاص في (البخاري)، وكل من تكلم عنه منتقصا إياه كانوا جميعا دون استثناء، ليسوا من أهل الاختصاص بعلم الحديث، وهكذا أصبح التشكيك في ثوابت هذه الأمة ديدن من يريد الانتشار والظهور في وسائل التواصل الاجتماعي.

– صدقت نسأل الله الثبات والعافية من هذه الفتن.

كنت وصاحبي نراجع حفظنا لسورة المائدة بانتظار شيخنا -الشيخ حسن- لنقرأ عليه الجزء المقرر ليوم السبت، بعد صلاة العصر.

ومنهم -أي الذين أصبحوا يتكلمون في الدين وليسوا من أهل الاختصاص- من يقول عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمورا يقشعر منها الجلد؛ فيقول عند قول الله -تعالى-: {وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}، لقد خاصم الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن الخائنين ولذلك عاتبه الله -تعالى-! ولم يكلف نفسه عناء الاطلاع على تفسير هذه الآية.

– إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله العافية، وما مناسبة هذه الآية يا أبا أحمد؟

– أخذ صاحبي يبحث عن ملف التفسير في هاتفه وبدأ يقرأ منه هذه الآيات من سورة النساء وتبدأ من الآية (105).

عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق: بشر وبشير، ومبشر، وكان بشير رجلا منافقا، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم ينحله إلى بعض العرب، ثم يقول: «قال فلان كذا»، و«قال فلان كذا»، فإذا سمع أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث! فقال:

أو كلما قال الرجال قصيدة

أضموا وقالوا: ابن الأبيرق قالها!

قال: وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له، وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فَعُدِيَ عليه من تحت البيت فنقبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح؛ فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي، إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه فنُقبت مشربتنا، وذهب بطعامنا وسلاحنا، قال: فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح وإسلام؛ فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق! فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها؛ فقال لي عمي: يا ابن أخي، لو أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكرت ذلك له!

قال قتادة: فأتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكرت ذلك له ، فقلت : يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة فنقبوا مشربة له ، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا به، فقال رسول الله -[-: «أنظر في ذلك»، فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له: (أسيد بن عروة)، فكلموه في ذلك، واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ، ولا ثبت.

وللحديث بقية