بعض الناس يستسهل الطعن في الصحابة، حتى يكاد يجزم أننا مثلهم وربما نسبقهم بأعمال الخير التي نعملها! وبعضهم الآخر يسمح لنفسه أن يرد الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ويظن أن استنباطه المنطقي أقوى من الأحاديث الثابتة حتى في الصحيحين! بل بعضهم يتمادى فينتقص من مكانة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ابتداء من أنه (بشر) ويستشهد ببعض آيات الكتاب -التي يظن أنها تؤيد رأيه- ليرد الأحاديث بل والسنة كلها، ومصيبة هؤلاء أنهم في (جهل مركب)، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا!

– لي قريب من هذه الفئة، لا علم شرعياً لديه، ولا يحفظ إلا اليسير من كتاب الله ولا يعرف شيئا عن علم الحديث، كل مؤهلاته أنه أستاذ في التاريخ الإسلامي، ذات مرة استشهد بقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (الأحزاب:1-2).

كنت واثنان من رواد المسجد في طريقنا إلى ديوان (بوخالد)، يعقده كل ثلاثاء بعد صلاة العشاء، ومعظم رواده من أبناء منطقتنا إلا أنني لا ألتقيهم لكثرة المساجد، في كلٌّ منهم يصلي في المسجد القريب من بيته.

– نعم، وكيف دار الحوار بينكما؟!

– سألته، هل اطلعت على كتب التفسير لهذه الآية، أجابني: القرآن نزل (بلسان عربي مبين)، ولدي من الخلفية اللغوية ما يؤهلني أن أفهم معاني الكلمات العربية! فلم الإصرار على الرجوع إلى كتب التفسير أو غيرها، هل يراد منا أن نلغي عقولنا!

ابتسم (أبو صلاح).

– هذا منطق كل من لا يريد معرفة الحق، ويفضل اتباع الهوى ليسوّغ لنفسه منهجه.

– صدقت على أي حال، طلبت إليه أن اقرأ في كتب التفسير التي أصبحت -بفضل الله- محمولة في هواتفنا الذكية، وكان هدفي إسماع بقية الحضور لإقناعه هو، ليقيني أنه لن يتراجع!

وقرأت لهم ما تيسر من كتب التفسير في بيان هذه الآيات، فكان مما قرأت وكنت قد خزنته في ملف جاهز.

نهاه سبحانه عن طاعة أعداء الدين فقال: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} أي لا تطعهم فيما يشيرون عليك به من المداهنة في الدين وفي الآية تعريض لغيره من أمته لأنه – صلى الله عليه وسلم – معصوم عن طاعتهم في شيء مما يريدونه، ويشيرون به عليه.

ولما كان ثَمَّ طائفة من الناس، مستعدة للقيام بصد الداعين إلى اللّه، من الرسل وأتباعهم، وهم المنافقون، الذين أظهروا الموافقة في الإيمان، وهم كفرة فجرة في الباطن، والكفار ظاهرًا وباطنًا، نهى اللّه رسوله عن طاعتهم، وحذره ذلك فقال: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِين} أي: في كل أمر يصد عن سبيل اللّه، ولكن لا يقتضي هذا أذاهم، بل لا تطعهم {وَدَعْ أَذَاهُمْ}، فإن ذلك، جالب لهم، وداع إلى قبول الإسلام، وإلى كف كثير من أذيتهم له، ولأهله.

{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} في إتمام أمرك، وخذلان عدوك: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} تُوكَلُ إليه الأمور المهمة، فيقوم بها، ويسهلها على عبده.

افتتاح السورة بخطاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وندائه بوصفه مؤذناً بأن الأهم من سوق هذه السورة يتعلق بأحوال النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقد نودي فيها خمس مرات في افتتاح أغراض مختلفة من التشريع بعضها خاص به وبعضها يتعلق بغيره وله ملابسة له.

– فالنداء الأول: لافتتاح غرض تحديد واجبات رسالته نحو ربه.

– والنداء الثاني: لافتتاح غرض التنويه بمقام أزواجه واقترابه من مقامه.

– والنداء الثالث: لافتتاح بيان تحديد تقلبات شؤون رسالته في معاملة الأمة.

– والنداء الرابع: في طالعَة غرض أحكام تزوجه وسيرته مع نسائه.

– والنداء الخامس: في غرض تبليغه آداب النساء من أهل بيته ومن المؤمنات.