– من المواقف التي تسبب الخوف في قلب الإنسان، أن يدخل البحر؛ فيتوقف قاربه، ولا يرى من حوله إلا السماء والماء، وكذلك أن يدخل الصحراء؛ فتتوقف مركبته؛ فلا يرى إلا التراب والسماء، وتنقطع به الأسباب.

لا أدري في أي اتجاه يجب أن يسير إن كان على البر، ولا أدري ماذا يفعل إن كان في البحر؟ وهنا لا ملجأ له إلا أن يلجأ إلى الله -عز وجل- صادقاً، متجرداً، متضرعاً، مضطراً، راجياً، وسنة الله -سبحانه- أن يجيب المضطر {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴿٦٢﴾أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٦٣﴾}(النمل: 62-63).

كنت وصاحبي في رحلة بحرية قصيرة، يريد تحريك قاربه السريع بعد انقطاع عن دخول البحر لمدة تعدت السنة.

– نعم، عندما يعجز الإنسان وتخذله أدواته الدنيوية، وقدراته البشرية، يعلم يقيناً معنى المعاذ، والملاذ إلى الله -عز وجل-، وليته يعتبر بعد ذلك؛ فقد أخبرنا رب العزة أن أغلب الناس بعد أن تزول كربته، يرجع إلى سابق عهده ولا يتعظ بما مر فيه، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا}(الإسراء: 67).

-هناك مواضع في كتاب الله ترد فيها كلمة آية، أو آيات، ومواضع أخرى ترد فيها كلمة لآية، أو لآيات، هل لك أن تبحث لنا عن الفرق عندما نتوقف لبعض الوقت لنصطاد وما يرزقنا الله من أسماك.

– لك ذلك -إن شاء الله.

وبالفعل بعد خمس دقائق أوقف صاحبي قاربه، وجهز عدة الصيد، بينما انشغلت أنا بالبحث في هاتفي.

– هل أنت مستعد لسماع ما وصلت إليه من كتب التفسير.

– أمهلني دقيقتين.

أنهى صاحبي ما أراد عمله، وأخذ مجلسه، فبدأت أقرأ من هاتفي.

– اللام تأتي للتأكيد، وتسمى لام التوكيد؛ فكلمة (لآية) أوكد من كلمة (آية)، وكذلك (الآيات) و(آيات)، وإذا كانت الإشارة إلى آية واحدة تأتي مفردة، وإذا كانت الإشارة إلى مجموعة آيات، تأتي كلمة (آيات) واسمع ماورد في كتب التفسير.

{وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ}(هود: 102-103)، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ}(الحجر: 73-77)، {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} (النحل: 10-13)، {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}(الإسراء: 12)، {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

أي: ومن آياته أن ينزل عليكم المطر الذي يحيا به البلاد والعباد، ويريكم قبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يخاف ويطمع فيه.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} دالة على عموم إحسانه وسعة علمه وكمال إتقانه، وعظيم حكمته، وأنه يحيي الموتى، كما أحيا الأرض بعد موتها.

{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي: لهم عقول تعقل بها ما تسمعه وتراه وتحفظه، وتستدل به على ما جعل دليلا عليه.

وفي هذا تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بتفصيل الآيات ليسوا من الذين يعلمون ولا ممن رسخ فيهم العلم.

والقوم الذين يعقلون هم المتنزهون عن المكابرة والإعراض، والطالبون للحق والحقائق لوفرة عقولهم؛ فيزداد المؤمنون يقينا، ويؤمن الغافلون والذين تروج عليهم ضلالات المشركين، ثم تنكشف عنهم بمثل هذه الدلائل البينة.

وفي تفسير آيات سورة الحجر.

وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ للمتوسمين}، يقول: إن في الذي فعلنا بقوم لوط من إهلاكهم، وأحللنا بهم من العذاب لعلامات ودلالات للمتفرسين المعتبرين بعلامات الله، وعبرة على عواقب أمور أهل معاصيه والكفر به، وإنما يعني -تعالى- ذكره بذلك قوم نبي الله صلى الله عليه وسلم من قريش، يقول: فلقومك يا محمد في قوم لوط، وحل بهم من عذاب الله حين كذبوا رسولهم، وتمادوا في غيهم، وضلالهم، معتبر.

وجملة إن في ذلك لآيات للمتوسمين: تذليل، والآيات: الأدلة، أي: دلائل على حقائق من الهداية وضدها، وعلى تعرض المكذبين رسلهم لعقاب شديد.

والإشارة في ذلك إلى ما تضمنته القصة المبدوءة بقوله -تعالى-: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}(الحجر: 51)؛ ففيها من الآيات، آية نزول الملائكة في بيت إبراهيم -عليه السلام- كرامة له، وبشارته بغلام عليم، وإعلام الله إياه بما سيحل بقوم لوط كرامة لإبراهيم -عليهما السلام- ونصر الله لوطا بالملائكة، وإنجاء لوط -عليه السلام- وآله، وإهلاك قومه وامرأته لمناصرتها إياهم، وآية عماية أهل الضلالة عن دلائل الإنابة، وآية غضب الله على المسترسلين في عصيان الرسل.

والمتوسمون أصحاب التوسم هو التأمل في السمة، أي: العلامة الدالة على المعلم، والمراد للمتأملين في الأسباب وعواقبها وأولئك هم المؤمنون، وهو تعريض بالذين لم تردعهم العبر بأنهم دون مرتبة النظر تعريضا بالمشركين