– من سمات الآيات التي أيد بها الله -سبحانه وتعالى- أنبياءه، أن فيها تحديا، ولعل أوضح الأمثلة ما أوتي موسى -عليه السلام- فقد عجز كبار السحرة وانهزموا أمام آية العصا، كما بين الله -تعالى- في آيات كثيرة من كتابه العزيز: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)} (الأعراف).

– وهكذا أيضا تحدى الرسول – صلى الله عليه وسلم – قومه، ومن يأتي بعدهم، بل والإنس والجن مجتمعين، أن يأتي بمثل ما أتى به – صلى الله عليه وسلم -: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14)} (هود).

{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} (البقرة).

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)} (يونس).

{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)} (الإسراء).

ولذلك تبقى الآية التي أيد بها الله -سبحانه وتعالى- رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – هي أعظم آية أيد الله بها نبياً من أنبيائه؛ وذلك أن هذه الآية -القرآن العظيم- صفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهي باقية إلى قيام الساعة، والتحدي قائم إلى قيام الساعة، للخلق المكلف، إنسه وجنه.

كنت وصاحبي في طريقنا إلى نقطة العبور إلى المملكة من الحدود الجنوبية، بدأنا المسير بعد صلاة الفجر، على أن نزور أخا لنا أصيب بحادث، وأدخل المستشفى في منطقة (الجبيل).

– وماذا عن أقوال المفسرين في هذه الآيات التي ذكرت؟

– دعني أبحث عن التفسير وأجمله لك.

أدار صاحبي المذياع ليستمع إلى آي من الذكر الحكيم، وبدأت بحثي في كتب التفسير، توقفنا عند الحدود ننتظر الوصول إلى الموظف الذي كان ينهي إجراءات السفر من خلال نافذة في الكابينة الزجاجية؛ حيث كان يجلس وأمامه جهاز حاسوب.

– استمع لما وجدت في كتب التفسير.

– هات ما عندك.

{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13)} (هود).

في تفسير ابن عطية

سبب هذه الآيات أن كفار قريش قالوا: يا محمد لو تركت سب آلهتنا وتسفيه آبائنا لجالسناك واتبعناك، وقالوا: ائت بقرآن غير هذا وبدله، ونحو هذا من الأقوال؛ فخاطب الله -تعالى- نبيه – صلى الله عليه وسلم – على هذه الصورة من المخاطبة، ووقفه بها توقيفا رادا على أقوالهم ومبطلا لها، وليس المعنى أنه – صلى الله عليه وسلم – همّ بشيء من ذلك فزجر عنه، فإنه لم يرد قط ترك شيء مما أوحي إليه، ولا ضاق صدره، وإنما كان يضيق صدره بأقوالهم وأفعالهم وبعدهم عن الإيمان.