وقد اقترب شهر الصوم والطاعات، اقترح عليَّ بعض الإخوة أن ألقي خاطرة أذكرهم فيها ببعض القضايا الإيمانية في الصيام، وكان بفضل الله:

– إن الخاطرة ليست موجهة إليكم، فأنتم أهل صلاة في المساجد، وأهل طاعة وإقبال على الله، ولكن ينبغي أن نتوجه جميعا إلى إخوان لنا لا يحضرون الصلاة، وربما لا يقيمونها كما يحب الله عز وجل، وربما لديهم من الذنوب والمعاصي ما يجعلهم يظنون أنهم ليسوا أهلا للطاعات بسبب هذه الذنوب، مثلاً الذي يشرب الخمر، وربما كل يوم، والذي يقع في الزنى، والذي يسرق، نريد أن نخاطب هؤلاء وندعوهم إلى الصلاة، والالتزام بها رغم وقوعهم في هذه الكبائر.

لم يخف عليَّ استغراب أكثر الحضور، بل أظهره بعضهم جلياً على وجهه.

– نعم نريد أن نصل إلى أهل المعاصي، ونقول لهم: هلموا إلى الطاعات رغم ما أنتم فيه.. فيقولون: وكيف لنا أن نصلي ونحن نشرب الخمر؟ نقول لهم: تعالوا إلى الصلاة غير سكارى، وإن شربتم الخمر، نعم لا يجوز أن يصلي أحد وهو سكران، ولكن يجوز أن يصلي المسلم إذا كان يشرب الخمر، وحتى أبين لكم هذه القضية فإن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وكذلك في عمل الصحابة من بعده.

      ففي الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن فلانا يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه سينهاه ما تقول..» (رواه أحمد، والبيهقي، وصححه الألباني)، وفي البخاري عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن رجلاً اسمه (عبدالله) يلقب حماراً، كان يُضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب (الخمر)، فأتي به يوما فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت، أنه يحب الله ورسوله» في الشرح: وردت روايات عدة، أن بعض القوم قالوا: «أخزاك الله»، وأيضاً أن الحادثة تكررت مرة في فتح خيبر، ومرة أخرى بعد فتح مكة من صحابيين مختلفين، وفي بعض الروايات: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان»، أو: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم»، والشاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلمأثبت أن هذا الرجل كان يحب الله ورسوله رغم معصيته وتكرارها، ولا شك أنه كان يصلي مع الصحابة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجل الآخر كان يصلي، بل النافلة من الليل.

       الشاهد أن العبد إذا ترك الصلاة لأجل أنه واقع بالمعاصي، فإنه يستسلم للشيطان، وإنما ينبغي أن يستمر في الطاعات رغم معصيته ويحرص على الفرائض، ولاسيما الصلاة ولا يتركها، ويستعين بها إلى أن يوفقه الله لترك معصيته.

– قاطعني أحدهم لا أعرف اسمه:

– وماذا عن الحديث: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا»؟

– هذا كلام باطل، كما قال الألباني – رحمه الله -: لا يصح سنداً ولا متناً ولا معنى، ونستطيع أن نسوق قصة أخرى، وهي خبر أبي محجن الثقفي، فقد حدّه عمر بن الخطاب سبع مرات في الخمر، بل نفاه إلى جزيرة فهرب، ثم لحق بسعد بن أبي وقاص في معركة القادسية، فلما علم به حبسه بأمر عمر بن الخطاب، ولكنه أبى إلا أن يشارك في المعركة وتوسل إلى امرأة سعد أن تحل قيده، وعاهدها أنه إن سلم رجع فوضعته في القيد، وإن استشهد فلا تبعة عليها، وبالفعل شارك في القتال وأبلى بلاء حسنا وعاد إلى حبسه، وعلم سعد بن أبي وقاص بأمره، فأتاه وقال: والله لا نجلدك على الخمر أبدا، فقال أبو محجن: والله لا أشربها أبدا.

         فلا ينبغي لمسلم أن يترك الصلاة لأجل ارتكابه المعصية واستمراره عليها، بل يحافظ على الصلاة بصدق وإخلاص ويسأل الله التوفيق والإعانة، ومن يصدق الله يصدقه.

 

 

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/07/issue_687_page.pdf” color=”red” newwindow=”yes”] تحميل[/button]