في قراءتنا اليومية من كتاب فتاوى الإسلام للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- كان السؤال عن الأمور التي ينبغي أن تعلق بالمشيئة والتي لا ينبغي، فكان جوابه -رحمه الله- الأمور المستقبلية ينبغي أن تعلق بالمشيئة أما ما وقع في الماضي فلا.. (بتصرف).

بعد الدرس الذي لا يزيد عن عشر دقائق، صاحبني (بومحمد)، وصديقه المصري (أبوفاطمة)، وينادونها (بطة).

– إخواننا المصريون يستخدمون (إن شاء الله)، في جميع الأحوال، تسأله إذا كان قد صلى، يقول نعم -إن شاء الله-، تسأله إن كان زار فلان يقول نعم -إن شاء الله-.

اعترض (أبوفاطمة) مبتسما.

– ليس المصريين جميعهم يا أبا محمد.

– مشيئة الله وإرادة الله من الأمور التي تختلط على كثير من المسلمين مع أن الموضوع سهل ويمكن تعلمه بدقة.

– هل لك أن تبسطه لنا.

– نقول: إن لله إرادة كونية وإرادة شرعية أو مشيئة كونية ومشيئة شرعية، أما الإرادة الكونية فتقع لا محالة ولا خيار للعبد فيها، وهي ما قدر الله بعلمه وحكمته كالمرض حين ينزل بالعبد، أو تقع طائرة فيموت كل من فيها وهكذا، ودليل ذلك قوله -تعالى-: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (يس:82)، وقوله -تعالى-: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} (هود:107)، فلا أحد يخرج أو يخالف إرادة الله الكونية.

     والإرادة الثانية هي إرادته الشرعية، وهي الأوامر الشرعية التي أمر الله بها عباده؛ فالله -سبحانه- يريد منا أن نصلي، ومنا من يصلي ومنا من لا يصلي، والله -عز وجل- يريد منا أن نتجنب المعاصي، فمنا من يتجنب المعاصي ومنا من يقع فيها، وعقيدة أهل السنة أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وهذا في المشيئة الكونية.

علق (أبومحمد).

– هذا الكلام أكبر من عقول بعض الناس، نريد أن نبسطه، حتى يفهمه الجميع، حتى الذين لا يتكلمون العربية بطلاقة.

– سأحاول -إن شاء الله.

– إذا قام العبد بطاعة الله، مثلا صلى أحدنا، فإنه وافق إرادة الله الكونية والشرعية، وإذا أعرض أحد عن الصلاة فإنه ضمن إرادة الله الكونية ولكن خلاف إرادة الله الشرعية، فالمعاصي لا تقع (رغما عن الله)، وإنما أذن الله لها أن تقع، لذلك تقع، وهذا واضح في آيات كثيرة من القرآن، مثلا يقول -تعالى- {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (الأنعام:35)، ويقول -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} (الأنعام:107).

ويقول -سبحانه-: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (الأنعام:137).

ويقول -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:93).

وآيات أخرى تبين أن الله أذن للشرك أن يقع وللمعاصي أن ترتكب، مع أنه لا يحبه ولا يرضاه ولا يريده إرادة شرعية ولكن ضمن إرادته الكونية -سبحانه.

– هل هذا يدخل ضمن الجدل؟ هل (الإنسان مخير أم سير)؟

– نحن هنا نتحدث عن صفة من صفات الله -عز وجل- وهي (الإرادة أو المشيئة)، أما العبد فله المشيئة، وفي بداية الأمر، وقبل التكليف، أعطى الله الخيار للسماوات والأرض والجبال، فأبين حمل التكليف، وارتضت هذه المخلوقات، بل المخلوقات جميعها عدا الإنس والجن- ارتضت سلب إرادتها، ورضيت ألا يكون لها قدرة على معصية الله، وبذلك رفضت الحساب، واحتمال نيل الجنة، أما الإنسان فرضي حمل الأمانة والمحاسبة على أن ينال الجنة والنعيم: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب:72).

     ومشيئة الإنسان ذكرت في كتاب الله، مثل قوله -تعالى-: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} (الكهف:29). {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} (المزمل:19). {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} (النبأ:39). فأعطى الله للعبد حق اختيار ما يريد مع بيان جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين، فالعاقبة ليست سواء، والأمر ليس حرية شخصية؛ لأن بعدها حسابا وعذابا.

– وماذا عن قول الله -تعالى- في سورة (الكافرون): {لكم دينكم ولي دين}.

– هذه الآية فيها براءة من دين الكافرين وليس فيها إقرار لهم على  ذنبهم، ففي بدايتها: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}، وتعلم أن سبب نزول هذه السورة أن كفار قريش عرضوا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يعبدوا الله سنة ويعبد هو آلهتهم سنة، فأتى الأمر من الله ألا مساومة في عبادة الله، وتوحيد الله -عز وجل-، وهذه السورة تسمى (البراءة)، و(الإخلاص الثانية)، وفي الحديث: «قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن» حسنه الألباني.