{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} (الكوثر).

– هل تعلم أن هذه السورة هي أقصر سورة في القرآن الكريم؟!

– نعم، الكوثر والعصر والنصر ثلاث سور في كل منها ثلاث آيات، هي الأقصر.

ابتسمت.

– أراك مستعدا للاختبار هذه المرة!

– هذه إحدى المعلومات التي التصقت في ذهني منذ الصغر، كان والدي يحثنا على حفظ أقصر سورة في القرآن، فحفظتها وهي ثلاث سور قبل الفاتحة.

كان صاحبي يرافقني في قضاء بعض مستلزمات المنزل الجديد؛ فهو أكثر خبرة مني بمواد البناء ولوازمها.

– سؤال آخر ما معنى (الكوثر)؟

– نهر في الجنة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم .

– نعم هذا معنى واحد للكوثر ورد فيه حديث صحيح.

     عن أنس بن مالك قال: «سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ما الكوثر؟ قال: ذاك نهر أعطانيه الله -يعني في الجنة- أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر قال عمر: إن هذه لناعمة: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكلتها أنعم منها..» (السلسلة الصحيحة).

     وفي رواية أخرى صحيحة «أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري «كذا على وجه الأرض» ولم يشق شقا فإذا حافتاه قباب اللؤلؤ؛ فضربت يدي إلى تربته فإذا هو مسكة ذفرة، وإذا حصاه اللؤلؤ»، وفي رواية «أظنكم تظنون أن أنهار الجنة أخدودفي الأرض! لا والله إنها لسائحة على وجه الأرض إحدى حافيتها اللؤلؤ والأخرى الياقوت وطينها المسك الأذفر، قلت ما الأذفر؟ قال: الذي لا خلط له».

– هل نجحت في السؤال الثاني؟

– نصف نجاح، وذلك أن الكوثر أعم من هذا، هو الخير الكثير المفرط في الكثرة، وهو على وزن (فوعل) مثل جوهر دوسر، جورب، كوكب.

     والخير الكثير الذي أعطاه الله لرسوله – صلى الله عليه وسلم – شمل الدنيا والآخرة ابتداء من النبوة، وانتهاء بالمقام المحمود وهذه النعم العظيمة أعطاها الله لمحمد – صلى الله عليه وسلم – دون أن يذكر صفة الشيء المعطى: (أعطيناك)، أنت دون تسبيب للعطية.

     وفي هذا الجزء من السورة رد على جميع الكفار، لا العاصي بن وائل الذي وصف الرسول – صلى الله عليه وسلم – بأنه (أبتر) بعد وفاة ابنه عبدالله؛ فقد وصفه آخرون بأنه لا ناصر له، وأنه لا مال له، فأتى الرد من الله بأنه أعطاه (الكوثر) الخير المفرط في الكثرة، في الدنيا والآخرة.

     والأولى أن يقال: إن (الأبتر) هو الذي لا خير فيه؛ وذلك أن العاص ابن وائل كان ابنه عمرو بن العاص الصحابي الجليل، وابن عمرو هو عبدالله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل، ثم أمر الله رسوله أن يشتغل بشكر النعم، بأعظم العبادات، الصلاة والإخلاص، كما في حديث قيام الليل: «أفلا أكون عبدا شكورا» فمن شكر النعم الإكثار من الصلاة وإخلاص النية لله.

– ولماذا أتت (أعطيناك) بصيغة الماضي؟

– كل ما أتى من أمور المستقبل بصيغة الماضي، إنما لتأكيد وقوعه دون شك.

– هل تذكر الكلام الذي قاله مسيلمة على نسق هذه السورة.

– «إن أعطيناك الجماهر فصل لربك وجاهر إن مبغضك رجل كافر».

ضحك صاحبي.

– هذا أقرب للهذيان منه إلى الوحي.

– وكان لمسيلمة أتباع كثر، قاتلوا وماتوا دونه.

– وهكذا الأمر في كل زمان، مهما كان الباطل يجد من يدافع عنه (سنة تدافع الحق والباطل).