{قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى}(الإسراء: 67 – 70)، {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ}(الحج: 66)، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} (الشورى: 48)،{لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ}(الزخرف: 13-15).
وهذه الآيات تشمل (كفر النعمة، وكفر المعاد، وكفر الشريك)؛ بذلك تشمل كل أنواع الكفر فيما بين ذلك.
كنت وصاحبي في طريقنا لعيادة أخ لنا أصيب بنوبة قلبية بعد صلاة الفجر، صلينا العشاء، وتأكدنا أننا يمكن أن نزوره.
في آية (الإسراء) يبين الله لمن كفر نعمة إنجاء الله له من الغرق، أنه هل يأمن (الخسف) وهو على الأرض؟ أم أمن (الحصباء) وهي الريح التي ترمي بالحجارة الصغيرة؟ أم العودة إلى البحر وعدم تعرضه للموج مرة أخرى؟ والجواب على كل ذلك بالنفي.
إذاً لم تكفر بنعمة الله أن أنجاك من الغرق!
والذي يُنكر المعاد، يذكره الله أنه هو الذي أحياه، وفي آيات كثيرة يذكر -عز وجل- تفاصيل خلق الإنسان، وأن بداية خلق آدم من طين، ونسله من ماء مهين؛ فهذا الذي خلقه من العدم، أليس بقادر على إحيائه مرة أخرى؟ بلي، هكذا الجواب بالمنطق، أن الذي يعمل شيئاً أول مرة يقدر أن يعمله مرة أخرى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم}(الروم: 27)، مع أن الأمر بالنسبة لله سواء، إلا أنه بمنطق البشر المرة الثانية أهون من الأولى؛ لذلك قال -سبحانه- وله المثل الأعلى.
بلغنا مستشفى الصدري المتخصص بأمراض القلب، كان صاحبنا في الدور الثاني غرفة (14) أوقفنا نقاشنا، كانت الغرفة مطلة على البحر، وصاحبنا بحالة جيدة، ينتظر عمل قسطرة صباح اليوم التالي.
لم نطل الجلوس، في طريق عودتنا تابعنا حديثنا.
– هل لاحظت أن الله تبارك -وتعالى- وصف الإنسان في موضع بأنه (كفور)، وفي آية الحج (لكفور)، وفي آية الزخرف (لكفور مبين)؟!.
– كلا لم ألاحظ ذلك، وما الفرق؟
– الفرق في تأكيد كفر الإنسان؛ ففي كفره للنعمة وصفه الله أنه (كفور)، كثير كفر النعمة، بصيغة المبالغة، بمعنى أن الواحد منهم يكفر أحيانا كثيرة بالمعنى، وأكثر الناس يكفرون بالنعمة.
ثم وصفه الله تبارك -وتعالى- بأنه (لكفور) في ذكر (كفر المعاد)؛ وهذا أشد من الأول، ثم في سورة الزخرف عندما ذكر كفره بإشراك غيره به، قال سبحانه: {إن الإنسان لكفور مبين}، هذا كفر بين واضح، لا ينبغي أن يقع فيه الإنسان؛ فيجعل شيئاً من العبادة لغير الله -عز وجل-.
– ماذا عن قول الله عز وجل: {قتل الإنسان ما أكفره}(عبس: 17)؟
– أعجبني تنبه صاحبي لهذه الآية من سورة عبس.
– هذه الآية من أشد آيات الإنكار على الإنسان كفره؛ ذلك أنه لم يبين نوع الكفر هنا، بل شمل كل أنواع الكفر، وبين الله نوعا واحدا منه وهو الكفر بالمعاد.في تفسير الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-.
قتل الإنسان (قتل) تأتي في القرآن كثيرا، فمن العلماء من يقول: إن معناها لعن، والذي يظهر أن معناها أهلك.
وقوله تعالى: {قتل الإنسان} قال بعض العلماء: المراد بالإنسان هنا الكافر خاصة، وليس كل إنسان؛ لقوله فيما بعد {ما أكفره}، ويحتمل أن يكون المراد بالإنسان الجنس.
{ما أكفره} قال بعض العلماء: إن (ما) هنا استفهامية، أي: أي شيء أكفره؟ ما الذي حمله على الكفر؟ وقال بعض العلماء: إن هذا من باب التعجب، يعني ما أعظم كفره! وإنما كان كفر الإنسان عظيما؛ لأن الله أعطاه عقلا، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب وأمده بكل ما يحتاج إلى التصديق، ومع ذلك كفر؛ فيكون كفره عظيما، والفرق بين القولين أنه على القول الأول تكون (ما) استفهامية، أي: ما الذي أكفره؟ وعلى القول الثاني تكون تعجبية، يعني: عجبا له، كيف كفر مع أن كل شيء متوفر لديه في بيان الحق والهدى!! والكفر هنا يشمل كل أنواع الكفر.