بينما كنت وصاحبي في مقر تلفزيون المعالي، سألني أحد المصورين، وكان قد استمع إلى حوارنا حول الأسماء الحسنى،

– والمعز. أليس من الأسماء الحسنى؟

– كلا، وكذلك بالنسبة للمذل، والخافض، والرافع، والمبدئ، والمعيد، والضار، والنافع، والمميت، والمحصي.

استغرب السائل، وأظن أن اسمه عبدالحكيم.

– ولكن هذه الأسماء أصبحت منتشرة وحفظها كثير من الناس، ولاسيما بعدما غناها أحدهم بنشيد أو أغنية.

– إن انتشار الاسم لله -عز وجل- لا يعني صحة ثبوته، وحتى نكون على بينة في هذا الباب، يجب أن نلزم أنفسنا بقاعدة سهلة ميسرة، وهي: «لا تنسب لله اسما إلا ما ثبت بالدليل الصحيح من كتاب الله أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم »؛ فالأصل أن الاسم لا يثبت ومن أثبته عليه الدليل، بمعنى:

– إذا قلت أن (الحي) من أسماء الله الحسنى، نقول: إن هذا الاسم ثبت في القرآن في آية الكرسي في قوله تعالي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وكذلك (القيوم) ثبت من هذه الآية أيضا، وهكذا في جميع الأسماء.

     وهنا ينبغي التنبيه إلى أن الحديث الذي ورد فيه ذكر الأسماء الحسنى عند الترمذي غير صحيح، فلا يمكن أن يكون مصدرا للأسماء الحسنى، ولا يوجد حديث صحيح يجمع الأسماء الحسنى كلها.

   لذلك ينبغي الحذر من نسبة اسم لله -عز وجل- لم يثبت في حديث صحيح، حتى وإن ورد هذا الاسم في كتاب كبار العلماء، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية أو ابن القيم -رحمهما الله- فهذا ليس بحجة.

كان الحضور يستمعون لكلام ربما يقال لأول مرة؛ فلم يخفوا استغرابهم.

– ما أريد أن أصل إليه أن الأصل في أسماء الله هو المنع وعدم تسمية الله -عز وجل- باسم إلا بعد تأكد ثبوته في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

لو اتبعنا هذه القاعدة نكون قد سلكنا الطريق الصحيح في معرفة الأسماء الحسنى، التي حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم  على إحصائها وأمرنا الله بدعائه بها.

– وكيف يمكن أن يرد اسم من الأسماء الحسنى في كتب ابن القيم مثلاً، وهو غير صحيح ولا يثبت لله -عز وجل-.

– ولم لا؟ (ابن القيم) -رحمه الله – عالم جليل، ولكنه بشر، يؤخذ من قوله ويرد، ويقع منه الخطأ؛ وكذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي يبين لنا الخطأ في أقوالهم، ليس أنا، ولا أنت، وإنما علماء أمثالهم؛ فما المنكر في ذلك؟!

كان الحوار قد انحصر بيني وبين (عبدالحكيم) أكثرهم اهتماما ويبدو أكثرهم اطلاعا وثقافة في القضايا الشرعية أيضاً.

– هل لك أن تذكر مثالا على ما ورد في كتب (ابن القيم) من الأسماء التي لا تثبت لله -عز وجل-؟

– نعم، وكنت قبل سنين قد أوردتها في إحدى مقالاتي، وما زلت أذكر ذلك الكلام.

في كتابه: (بدائع الفوائد) يقول الشيخ -رحمه الله-:

     أسماؤه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره، وهو غالب الأسماء؛ فالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم وهذا يسوغ أن يدعى به مفردا ومقترنا بغيره؛ فيقول: يا عزيز، يا حليم، يا غفور، يا رحيم، وأن يفرد كل اسم، وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع.

     ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقرونا بمقابله؛ كالمانع، والضار، والمنتقم؛ فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله، فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو؛ فهو المعطي المانع الضار النافع المنتقم العفو المعز المذل؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاء ومنعا ونفعا وضرا وعفوا وانتقاماً.

     وأما أن يثني عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار؛ فلا يسوغ؛ فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد، الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد؛ ولذلك لم تجىء مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه؛ فلو قلت: يا مذل، يا ضار، يا مانع، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها. فهو هنا يقول لا يجوز أن تسمى الله باسم (الضار)، بل يجب عليك أن تقول: (الضار النافع) دون أن تفصل أحد الاسمين عن الآخر، وأنها اسم واحد، ولا (المذل) إلا (المعز المذل) ولا (المانع) ولكن (المعطي المانع) ولاشك أن الفصل خطأ.

لأن الأسماء الحسنى كل اسم يحمل معنى الكمال والجمال والحسن والجلال لله -عز وجل- منفرداً.

فهذه الأسماء المركبة (المعز المذل)، (المعطي المانع) ليست من الأسماء الحسنى أصلاً.

     ليس من الأسماء الحسنى (المعز)، ولا (المذل)، ولا (المميت)، ولا (المحيي)؛ لأنها لم تثبت في حديث صحيح ولا في آية من كتاب الله، فلماذا نجهد أنفسنا ونقول: يجب ألا تدعو إلا بالاسمين مقترنين؟! وهما أصلا لم يثبتا لله -عز وجل-.

وهذا الذي أريد أن أبينه لكي تثبت لله اسما من الأسماء الحسنى يجب أن يكون الاسم ثابتا في كتاب الله، أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم  الصحيحة، وإلا فإنك تسمي الله بما لم يسم به نفسه.