اقترحت على صاحبتي أن نقضي أمسية خارج المنزل لوحدنا، سررت لهذه الدعوة ولاسيما أنها هي التي بادرت، كان شرطي الوحيد ألا يضيع وقتنا في الوصول إلى المكان الذي تختاره وألا ننتظر حتى نحصل على طاولة، وبالفعل -على عكس المعتاد في الأعياد- كانت الطريق سالكة والأماكن متوفرة.. طلبنا.

– ما معنى «الودود» في حق الله؟ هل أنه «محبوب»، أو «محب»؟

– وما مناسبة هذا السؤال؟!

– كنت أقرأ في سورة «هود» بعد أن سمعت الحديث «شيبتني هود وأخواتها» صحيح الترمذي.. وفي السورة قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (هود: 90).

– نعم.. «الودّ» لغة «خالص الحب» يقال: «وددت» الرجل «أودّه» إذا أحببته وهو على وزن فعول بمعنى «فاعل» وبمعنى «مفعول»، قاطعتني:

– هل لك أن تتحدث بكلمات أفهمها؟

بدت الأطباق تصف على الطاولة.

– «الودود» بمعنى «الوادّ» أي «المحب»، و«المودود» بمعنى «المحبوب»؛ فهو سبحانه يحب عباده المؤمنين، وحب الله عز وجل للعبد حب يليق به لا كحب المخلوقين، كما وصف الله عباده المؤمنين في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}  (المائدة:54).

وكذلك قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} (مريم:96).

وفي التفسير، عن ابن عباس «الودود» المحب لعباده المؤمنين، ويحبه عباده المؤمنون فهو سبحانه أحب إليهم من كل شيء، ومنه «المودة» في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21).

قاطعتني: هل لاحظت أن المودة تسبق الرحمة؟

– إن اسم الله «الرحيم» ورد في كتاب الله مئة وأربع عشرة مرة، واقترن بثمانية أسماء من الأسماء الحسنى وكان دائما الاسم الثاني، مثل «الغفور الرحيم»، «العزيز الرحيم»، «التواب الرحيم»، «الرحمن الرحيم»، عدا «الودود» فقد أتى قبله «رحيم ودود».. وكذلك أية الأزواج «مودة ورحمة»، وورد «رحيم ودود» مرة واحدة فقط في كتاب الله، وأيضا اقترن اسم الله «الودود» بـ«الغفور» وكان الثاني أيضا في سورة البروج وهو «الغفور الودود» (14).

– ما شاء الله، أرى أنك حفظت أمورا كثيرا في الأسماء الحسنى.

– الحمدلله.

– وماذا عن آية سورة هود؟!

– في التفسير أيضا أن ختام الآية بهذين الاسمين مدعاة إلى ما طلبه نبي الله شعيب من قومه؛ حيث ذكر قومه: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ﴿89﴾. وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (هود:89-90).

فقد نسب «الرب».. فقال «ربكم»، وطلب منهم الاستغفار ثم التوبة، لأن ربهم «رحيم ودود»، فمن استغفر غفر له الرحيم ومن تاب «أحبه» الودود، ترغيب ما بعده ترغيب في الرجوع إلى الله، لا ينالون المغفرة والرحمة فحسب بل ينالون المحبة أيضا من الله عز وجل ولا يحرمون «الود» مع ما كانوا عليه من كفر ومعصية وإعراض عن الله قبل ذلك.

– سبحان ربي «الرحيم الودود».

اكتمل حضور الطعام.

– دعيني أسألك، في الحديث الذي ذكرتِ، ما السور التي وصفت بأنها أخوات سورة هود؟ نظرت إلي مستنكرة.

– كنت آمل ألا تسألني هذا السؤال، لا أعرف.

– الرواية التي في صحيح الترمذي التي أوردها الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة.

عن ابن عباس قال أبو بكر لرسول الله[: يا رسول الله قد شبت قال: «شيبتني هود والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت» وفي رواية: «زاد والواقعة بعد هود».

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2013/11/Pages-from-issue_750.pdf” color=”red” newwindow=”yes”] تحميل[/button]