هاتفني مساءً، وكان قد جهز حقيبته للسفر في اليوم التالي – كما أخبرني.

– سؤالان: ما إثم من حفظ شيئاً من القرآن ثم نسيه؟

– ابتداء.. القرآن كلام الله عز وجل، وهو أشرف كلام، والقلب الذي فيه شيء من القرآن لا تمسه النار كما في الحديث.

     والمطلوب ممن حفظ شيئاً من القرآن أن يتعاهده، بمعنى يراجعه، ولكن إن نسيه فلا يقل: نسيت، تأدباً كما في البخاري، عن أبي وائل عن عبدالله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «بئس ما لأحدهم يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نُسي»، والأحاديث في تعاهد القرآن كثيرة، ولكن لا يوجد حديث في عقاب من نسي شيئاً من القرآن، وإنما أقوال للسلف الصالح.

– سمعت حديثا في الإذاعة: «وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم القيامة وهو أجذع».

– هذا جزء من حديث يرويه سعد بن عبادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الجزء قال عنه شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف، وهناك حديث آخر: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها» الترمذي، وأبو داود (ضعفه الألباني).

     والحديث الثالث: عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه. لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله» أخرجه الحاكم، وضعفه الألباني.

     فالأحاديث في اعتبار نسيان القرآن ذنب ليست صحيحة مع ما ثبت من أقوال السابقين، حيث عده بعضهم كبيرة من الكبائر (السيوطي والنووي وغيرهما)، وعن أبي العالية: «كنا نعد من أعظم الذنوب أن يعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه»، وعن اين سيرين: «الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديداً».

هذه أقوال في الترهيب من نسيان القرآن، ولكن أعدل ما قرأت في ذلك.

     لكن حمل بعض العلماء النسيان هنا على ترك العمل؛ لأن الإنسان بطبيعته معرض لنسيان ما يحفظ، سواء أكان من القرآن أم من غيره؛ ولأن التحذير لو كان من مجرد نسيان ما يحفظ لقال الشخص: «الأسلم ألا أحفظ شيئاً حتى لا أتعرض للعقاب إن نسيت» وفي هذا صرف للناس عن القرآن. فتاوى الأزهر.

وكذلك من أجمل ما قرأت:

     ومهما يكن من شيء؛ فإن الواجب هو المجاهدة للإبقاء على ما يحفظ؛ وذلك بمداومة التلاوة ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا، ففي التلاوة ثواب على الحرف بعشر حسنات، وفيها تقويم للسان بالعربية وتفقه في الدين، أما الحديث الذي فيه الوعيد لمن حفظ القرآن ثم نسيه فهو حديث ضعيف. اللجنة الدائمة.

وكذلك في موقع مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله فقيه.

     ولكن حالة من نسي القرآن بعد حفظه حالة مذمومة؛ لأنها نعمة عظيمة ضيعها، فلا يليق بمن أكرمه الله بحفظ كتابه أن يفرط في هذه النعمة ويتساهل فيها حتى تضيع منه.

     من هذا كله نستخلص أن الإسلام يحث على حفظ القرآن، وكل أحد يحفظ ما يناسبه بعد أن يحفظ ما يقيم به صلاته، وإذا حفظ المرء شيئاً من القرآن يجتهد أن يحافظ عليه؛ لأن في ذلك من الأجر والثواب في الدنيا والآخرة ما لا ينبغي التفريط فيه، ولكن لا يقول أحد: «أنا لا أحفظ حتى لا أنسى فيقع علي وعيد نسيان القرآن» هذا فهم خطأ لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومخالف لهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم.

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2013/05/Pages-from-issue_726.pdf” color=”red” newwindow=”yes”] تحميل[/button]