يقول الله تعالى: {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (البقرة: 117)، ويقول سبحانه: {ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (مريم: 35)، ويقول عز وجل: {هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (غافر:68).

– إن قضاء الله عز وجل نوعان: قضاء كوني، وقضاء شرعي، كما قلنا في مشيئة الله وإرادة الله عز وجل، فهناك إرادة كونية وإرادة شرعية، أما القضاء الكوني، فهو الذي لا راد له ولا مانع لوقوعه، ولا يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، وإنما يقع في الكون أو على الإنسان اختبارا له، أو تمحيصاً أو تكفيراً لذنوبه:مولده، مماته، المصائب العامة، الكوارث التي يسمونها (طبيعية)، وهي دون شك بقضاء الله لحكمة علمها من علمها وجهلها الغافلون.

قاطعني:

– وهل ذكر الله القضاء الشرعي في كتابه؟!

– نعم.. في قوله عز وجل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} (الإسراء:23)، فالله عز وجل أمر أمراً شرعياً يسع العبد اتباعه أو مخالفته، قضى ألا نعبد إلا إياه، ومن الناس من يشرك بالله، وقضى أن نحسن إلى والدينا، ومن الناس من يعق والديه، وقال عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} (الأحزاب: 36).

وأوامر الله الشرعية ورسوله[ هناك من يتبعها، وهناك من يخالفها؛ فهذا من القضاء الشرعي وكلمة (قضاء) تحمل هذا المعنى وذاك، وكذلك (الإرادة) وهناك (إرادة كونية) واقعة لا محالة، ولا يستطيع أحد مخالفتها، وهناك إرادة شرعية يخالفها العصاة كقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} (النساء: 26)، وقوله سبحانه: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما} (النساء: 27)، وقوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد} (المائدة: 1)، وقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} (المائدة: 6).

فهذه إرادة شرعية، ويريد الله منا أن نتوب ليتوب علينا، ومنا من يتوب ومن الناس من لا يتوب، ويريد الله منا ألا نصيد ونحن محرومون، ويستطيع من شاء أن يعصي هذه الإرادة لأنها «إرادة شرعية» أي: «حكم شرعي» أو «أمر شرعي»، أما الإرادة الكونية والأمر الكوني والقضاء الكوني؛ فلا أحد يستطيع الخروج عليه أو حتى تأخيره {إن الله يفعل ما يريد} (الحج: 14).

علق صاحبي على هذا الإسهاب:

– نعم.. حتى يفهم المرء هذه القضية يجب أن يتتبع جميع الآيات والأحاديث التي تتناول الأمر؛ فيتدبر الآيات التي تذكر (القضاء)، و(الإرادة)، و(الأمر) ويعلم أنه لا تناقض بين آيات الكتاب ولا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة؛ فيخرج بالفهم الصحيح للقضاء، ففي الصحيح: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان» (البخاري)، وفي صحيح مسلم: «لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً وإنما يستخرج من البخيل».

فهذا القدر والقضاء الكوني الذي لا مجال لرده، ولا حتى لتعطيله، هو الذي كتبه الله قبل خلق السموات والأرض بخمسمئة عام.

– وكيف يكون قد كتب وهو «جديد» بالنسبة للملائكة؟

– نعم.. ذلك أن الملائكة لا تعلم الغيب، ولا ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، حتى يظهره الله عز وجل لهم وينزل من تحت العرش إلى السماء فتعرفه الملائكة، ثم ينزل إلى الأرض حيث قدره الله عز وجل.

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/08/Pages-from-664.pdf” color=”red” newwindow=”yes”]تحميل[/button]