لا تعارض بين آيات الله، ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بين آيات الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة.

تابعت حواري مع صاحبي.. سألني:

– لعل أكثر حديث يسبب لي «عدم فهم» في القضاء والقدر، هو: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها»، ولا أعلم إن كان هذا الحديث صحيحا أم لا؟!

– بل الحديث متفق عليه، وتمامه:

عن عبدالله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».

وهو حديث يجمع أصول الإيمان بالقدر التي بيناها في بداية حوارنا، نلخصها بأنها: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، ولكن انظر في مفردات الحديث: «فيعمل بعمل أهل النار» أي إن العبد هو الذي اختار أن يعمل هذا العمل المؤدي إلى النار، وعلم الله عز وجل ذلك قبل خلقه، فكتبه، ولكن العبد هو الذي اختار وهو الذي عمل.

قاطعني:

– ولكن الحديث يوحي بأن هذا العبد لم يكن له خيار إلا أن يعمل بعمل أهل النار؛ لأنه سبق أن كُتب عليه ذلك.

– كلا.. الحديث لا يوحي بهذا، بل يبين أمرين منفصلين: ما كتبه الله، وما عمله العبد، والعبد لا يعلم ما كتب له، ولكنه اختار بمحض إرادته ما يريد أن يعمل ووقع هذا العبد في هذه المعصية؛ لأنه لم يتخذ أسباب الهداية.

– كيف ذاك؟!

– هذا العبد الذي كان: «يعمل بعمل أهل الجنة» أصابه الغرور بصلاحه، ولم يكن يدعو الله أن يثبته على الحق كما بيّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حيث في الحديث: «كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، فقيل له: أتخاف علينا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : «نعم.. إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله؛ فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ» (حسنه الألباني).

فالمؤمن يأتي بالطاعات ويجتنب المعاصي، ويدعو الله أن يثبته على الطاعة دائماً ويخلص في دعائه ولا يغتر بعبادته، بل حاله كما وصف الله عباده المؤمنين: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون: 60)، هذا يثبته الله عز وجل على الهدى؛ لأنه اتخذ أسباب الثبات: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم: 27)، ولا ينبغي لعبد أن يقول: إن الله هو الذي أضلني؛ لأن هذا منطق إبليس: {بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} (الحجر: 39)، أما آدم عندما وقع في الذنب فقال: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، وهكذا العبد إذا وفق إلى الخير حمد الله وأثنى عليه، وسأله الثبات والمزيد من هذا الخير، وإذا وقع في الذنب لام نفسه واستغفر وأقر بظلمه لنفسه؛ وبهذا نجمع الآيات والأحاديث التي قد تبدو متعارضة في ظاهرها، وذلك لالتزامنا ويقيننا بأنه لا تعارض بين آيات الله ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلما جاءك هذا الشعور اتهم فهمك وابحث عن المعنى الصحيح.

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/08/Pages-from-661.pdf” color=”red” newwindow=”yes”]تحميل[/button]