– في طريق رجوعي إلى البيت، فاجأتني حفرة لم أستطع تفاديها؛ مما أدى إلى إتلاف إطار مركبتي الخلفي، توقفت على جانب الطريق السريع، حمدت الله أن الأمر مر بسلام دون حادث مروري. بحثت في هاتفي وفيه أرقام طوارئ الماء والكهرباء وخدمة الطريق والأعطال الصحية والكهربائية وغيرها، الرقم الأول كان مفصولا عن الخدمة، والثاني لا يرد، والثالث خطأ، شاء الله أن تمر بي الشاحنة التي تنقل المركبات المتعطلة، ونسميها في الكويت (سطحة)، صاحبها يقودها دون تخطيط مسبق، ينتظر إلى أن يرزقه الله بمركبة متعطلة على قارعة الطريق. بعد أن استوت مركبتي على (السطحة)، وأخذت مكاني بجانب السائق، فتحت معه الحوار: – اتصلت قبل أن تصل بخمس جهات، لم أوفق معها، رد علي: – لقد كان مقدرا لك، أن تكون سببا لرزقي دون غيري، قالها مبتسما، أبو زياد، تابع حديثه: – للتو أنزلت مركبة وكنت في طريقي إلى مركز الانتظار، ورأيتك وسوف أوصلك إلى مكان تغيير الإطارات، ثم أمضي، واليوم هو آخر يوم عمل لي؛ حيث حجزت للسفر غدا لرؤية أبنائي الذين لم أرهم منذ أربع سنوات، لمشكلات إدارية بين الشركة والجهات الحكومية. – سهل الله لك أمرك، ورزقك وبارك لك. – عملنا فيه من التوكل على الله، ما لم أكن أدركه من قبل، أخرج في الصباح، ولا أعلم كم سأجني، أسعى في الطرقات، أنتظر رنة الهاتف، من الصباح الباكر إلى الساعة العاشرة ليلا، ربما أرتاح ساعة بعد صلاة الظهر، حين تزدحم الطرقات، أحيانا يمضي نصف اليوم دون أن أرزق بدينار واحد، وأحيانا لا أكاد أتوقف عن نقل مركبات متعطلة، وأجني أكثر من مئة دينار، في يوم واحد، أيقنت أن على العبد السعي، وعلى الله الرزق، كما قال -تعالى-: {وفي السماء رزقكم}. لم يكمل أبو زيادة الآية. – صدقت يحتاج العبد أن يذكر نفسه أن الرزق بيد الله وأن رزقه سيناله لا محالة، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم» (صحيح ابن ماجه)، وفي الحديث عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله» (صحيح الجامع). قاطعني أبو زياد. – سبحان الله، هذه أول مرة أسمع هذا الحديث، فالجميع يعلم أن الأجل آت في موعده دون تقديم أو تأخير، الرزق أشد طلبا للعبد من رزقه؟ سبحان الله. – نعم، هو كذلك. قاطع أبو زياد تعليقه، وهو يناولني ورقة. –  لو سمحت اكتب لي نص هذا الحديث. – فعلت، ووضع الورقة بجانبه. – سأطبع هذا الحديث وأعلقه أمامي. وإليك حديث آخر. عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – أن ضيفا نزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن  طعاما لضيفه، فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فقال: «اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يمكلها إلا أنت»، قال: فأهدي إليه شاة مصلية (مشوية)، فقال: «هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة» (السلسلة الصحيحة). – أحاديث جميلة تريح القلب، مع أن بعض زملائي في هذه المهنة، يتذمرون إذا مر يوم، ولم يجن ما كان يرجو من المال، وأنا أقول لهم  دائما {وفي السماء رزقكم}. – هذه سنة الله في الرزق، أن العبد يبذل ما يستطيع في السعي لنيل الرزق الحلال، ويترك الأمر لله، موقنا بأن الله سيرزقه، فيكون بهذا المبدأ، يؤمن بأن  الرزق مكتوب مقدر، قبل خلق السماوات والأرض، وأنه ينزل بأسبابه، فسنة الله قائمة على السببية والتعليل، وأن زيادة الرزق أو نقصانه إنما هو بحكمة الله -عز وجل-، كما قال -تعالى-: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (العنكبوت:62). وتذييل هذه الآية بقوله -سبحانه-: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، تغني العبد عن أي اعتراض.