صاحبي خريج علوم سياسية، ومتابع للمحللين السياسيين في كثير من القنوات العربية والأجنبية، ويقارن، وينتقد، ويبدي آراءه وتوقعاته في القادم من الأحداث. – هل تعلم ما الذي ينقص المتخصصين في العلوم السياسية؟ – كلا، نورنا بما لديك. – ينقصهم العلم الشرعي في السنن الإلهية. استغرب صاحبي. – وما علاقة السنن الإلهية بالعلوم السياسية؟! – هذا ما أردت بيانه، ذلك أن كثيرا من المسلمين لا يعرف السنن الإلهية ولا يتعلمها، بل ربما يغفل وجودها رغم أن الكون كله، يسير وفق السنن الإلهية، تظهر أمم وتختفي أخرى وفق السنن الإلهية، وربما يسعد الفرد ويشقى، ويعز ويذل، وفق السنن الإلهية. بقي صاحبي منصتا، كأنه يسمع أحجية غريبة، تابعت حديثي: – كلنا نقرأ كتاب الله -تعالى-: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب:62)، {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء:77)، {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:44). وآيات أخرى تبين أن لله -عز وجل- سننا، وهذه السنن، -ولك أن تسميها قوانين، وقواعد، في الأمم والأفراد، والكون- ثابتة مستغرقة، لا تتبدل ولا تتحول ولا تتوقف، وهي بلا شك أثبت من النظريات البشرية في السياسة والاقتصاد. كنت وصاحبي في جلسة هادئة، مساء الأربعاء بعد صلاة العشاء أخذنا مجلسا خارجيا في أحد المقاهي المطلة على البحر. – ولماذا لا يتحدث العلماء عن هذه السنن وينشرونها لعامة الناس حتى يتفقه الناس بها، ويتعلموها، ولاسيما أصحاب الاختصا؟. – أما أصحاب الاختصاص فإنهم يكتفون بالنظريات العلمية التي درسوها والأوراق العلمية التي تنشر، ولا ينظرون للشريعة الإسلامية أنها من الممكن أن تمدهم بشيء في تخصصاتهم السياسية أو الاقتصادية، قصروا الشريعة على العبادة، وأما عامة الناس فينظرون إلى السنن الإلهية إلى أنها من نافلة العلم، ولا يحتاجون إليها في حياتهم اليومية، مع أنها جزء من عقيدة المسلم. – كيف هي جزء من عقيدة المسلم؟ – إن السنن الإلهية تبين القواعد التي وضعها الله لكل شيء في الكون والأمم والأفراد، تبين عظمة الله -عز وجل-، وحكمة الله -عز وجل- اقتضت وضع هذه القوانين، وكل شيء يحدث وفق هذه القوانين، فهي قوانين إلهية ثابتة منذ خلق الله الكون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وإذا عرف العبد هذه القوانين، فإنه يطمئن إلى وعد الله، إن كان مظلوما، يعلم أن الله سينصره، وإن كان وقع له كيد سيئ، يعلم أن الكيد سيرجع على أهله، إن كان رزقه حلالا، يعلم أن الله سيزيده، وهكذا في الأفراد، وفي الأمم. والعالِم يعلم بسنن الله، متى وكيف يأتي نصر الله؟ ومتى تعز الأمة؟ ومتى يتخلف نصر الله؟ ومتى تسقط الأمة؟ ولا يغتر، بما يظهر بأنه خلاف سنة الله، وذلك أن وعد الله حق، والله لا يخلف الميعاد، فالعالم بهذه السنن مع بعض العلوم الدنيوية، في الاقتصاد والسياسة، يستطيع أن يستقرأ المستقبل ويرسم خارطة طريق للأمة حتى تنهض وتستقر وتتمكن في الأرض. – بصراحة، الكلام جميل، ولكن أشعر أنه نظري، وأقرب إلى الخيال! – لا تقل هذه الكلام، لمجرد أنك لم تطلع على سنن الله ولم تدرس الشريعة، هذه حقائق أثبت من النظريات السياسية والاقتصادية؛ فمشكلة كثير من الناس أنهم لا يؤمنون بهذه السنن؛ لأنهم لا يرونها تقع أمام أعينهم، وذلك أن سنن الله لا تقاس بأعمار البشر، بل بأيام الله -عز وجل-: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:٤٧)، فمن أراد أن يعرف سنن الله فلينظر على امتداد آلاف السنين؛ لذلك يقول الله -تعالى-: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137)، سنن الله ماضية في المؤمنين والكافرين والمكذبين والظالمين، لا تتخلف أبدا، وينبهنا الله -عز وجل- إلى مصير الأمم السابقة، والذي يريد معرفة سنن الله في دمار الحضارات، وازدهارها، ينظر على مدى آلاف السنين، لا عشرات ومئات السنين فحسب، وهذا الأمر، أعني أن سنن الله تقع في فترات زمنية طويلة تجعل الغافل لا ينتبه لها، بل ربما يهملها تماما، إذا لم تكن لديه خلفية في العقيدة. – استدرك على صاحبي: – نحن نقرأ في كتب التاريخ مثل كتب ابن خلدون وغيره، ولدينا قاعدة (بأن التاريخ يعيد نفسه)، ولم يخطر ببالي فكرة (السنن الإلهية). – مقولة (التاريخ يعيد نفسه) خطأ، والصواب (أن التاريخ يعيده الله)، فهو الأحداث التي تحدث وفق قوانين ثابتة وضعها الله -عز جل- اسمها (السنن الإلهية)، ثابتة لا تتغير، مستغرقة، لا تختلف، دائمة لا تتوقف، شاملة لا تستثني، هذه هي سنن الله -عز وجل-، من عرفها كان علمه حقا ثابتا، ومن غفل عنها، إنما تخبط خبط عشواء في تحليله واستقرائه.