لا شك أن أعظم ذنب هو (الشرك بالله)، أن يعبد مع الله إلها آخر، فيدعى، ويرجى، ويخشى، ويتقرب إليه، وينذر له، رجاء نفعه وخشية ضره، هو الذي يحرم علـي العبد الجنة مطلقا، ويخلده في النار أبدا، هو الذنب الذي يغضب الله لأجله غضبا لا يغضب لذنب غيره، ولا يغفره، ولا يرحم من يرتكبه.

– أراك تؤكد في كل مجلس أهمية التوحيد وخطورة الشرك.

– بل أردد كلام الأنبياء جميعا: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، هذا الذنب يوجب الخزي على العبد في الدنيا والآخرة، قبل أن يؤمر بالمشركين إلى النار، يخزيهم الله -عز وجل-، كما قال -سبحانه-: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} (الصافات)، وفي زيادة توبيخ لهم ينادوون أن ينادوا شركاءهم، ويستعينوا بهم، قبل دخول النار، وبعد أن يدخلوها، يتبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضا.

      كنت وصاحبي نأخذ استراحة قصيرة قبل صلاة المغرب بعد أن رتبنا مكتبة المسجد، مع أنني لا أتفق معه على أهمية الكتب المطبوعة هذه الأيام، ولاسيما بعد تسهيل عملية تحميل المكتب والمكتبات وسهولة البحث باستخدام الحاسوب.

– إليك بعض هذه الآيات التي فيها توبيخ للمشركين يوم القيامة:

      {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} (النحل:27). {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا} (الكهف:52). {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (الأنعام:22).

     وفي التفسير: السؤال بـ(أين) هنا عن الشركاء المزعومين وهم حاضرون كما دلت عليه آيات أخرى، قال -تعالى-: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ} (الصافات)، أن تظهر مذلة الأصنام وعدم جدواها كما يحشر الغالب أسرى قبيلة ومعهم من كانوا ينتصرون به؛ لأنهم لو كانوا غائبين لظنوا أنهم لو حضروا لشفعوا، أو أنهم شغلوا عنهم بما هم فيه من الجلالة والنعيم، فإن الأسرى كانوا يأملون حضور شفعائهم أو من يفاديهم.

      {ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم} سؤال إفضاح لا إفصاح. {الذين كنتم تزعمون} أي في أنهم شفعاء كلهم عند الله بزعمكم، وأنهم تقربكم منه زلفى، وهذا توبيخ لهم. وإضافة الشركاء إلى ضمير المخاطبين؛ لأنهم الذين ادعوا لهم الشركة.

       والدعاء دعاء الاستغاثة بحسب زعمهم أنهم شفعاؤهم عند الله في الدنيا. وقوله فلم يستجيبوا لهم هو محل التيئيس المقصود من الكلام.

       قوله -تعالى-: {ثم لم تكن فتنتهم} الفتنة الاختبار أي لم يكن جوابهم حين اختبروا بهذا السؤال، ورأوا الحقائق، وارتفعت الدواعي. {إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}، تبرؤوا من الشرك وانتفوا منه، لما رأوا من تجاوزه ومغفرته للمؤمنين، قال ابن عباس: يغفر الله -تعالى- لأهل الإخلاص ذنوبهم، ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، فإذا رأى المشركون ذلك، قالوا: إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك فتعالوا نقول إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين، فقال الله -تعالى- أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كان يكسبون، فعند ذلك يعرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا، فذلك قوله: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (النساء:42).

      قوله -تعالى-: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أعاد هذا الضمير لاختلاف الحالين، ينادون مرة فيقال لهم: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} فيدعون الأصنام فلا يستجيبون فتظهر حيرتهم، ثم ينادون مرة أخرى فيسكتون، وهو توبيخ وزيادة خزي. ولما كان المقام هنا مقام تهكم كان الاستفهام عن المكان مستعملا في التهكم ليظهر لهم كالطماعية للبحث عن آلهتهم، وهم علموا ألا وجود لها ولا مكان لحلولهم. وإضافة الشركاء إلى ضمير الجلالة (شركائي) جريا علـى ما يعتقده المشركون، تعالى الله عن ذلك وهو زيادة في التوبيخ؛ لأن مظهر عظمة الله -تعالى- يومئذ للعيان ينافي أن يكون له شريك، فالمخاطبون عالمون حينئذ بتعذر المشاركة.

       والآية نزلت في كفار قريش، كانوا يقولون في التلبية: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، (فدعوهم) أي : فعلوا ما أمرهم الله به من دعاء الشركاء، (فلم يستجيبوا لهم) إذ ذاك، أي: لم يقع منهم مجرد الاستجابة لهم، فضلا عن أن ينفعوهم أو يدفعوا عنهم {وجعلنا بينهم موبقا} أي: جعلنا بين هؤلاء المشركين وبين من جعلوهم شركاء لله موبقا، ذكر جماعة من المفسرين أنه اسم واد عميق، فرق الله به -تعالى- بينهم، وعلى هذا فهو اسم مكان، قال ابن الأعرابي، كل حاجز بين شيئين فهو موبق، وقال الفراء: الموبق: المهلك. والمعنى: جعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكا لهم في الآخرة. {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} (فصلت:47-48) والضمير في (ينادي) عائد إلى ربك في قوله {وما ربك بظلام للعبيد} (فصلت:46)، والنداء كناية عن الخطاب العلني كقوله: {ينادونهم ألم نكن معكم} (الحديد:14).

       وآذناك أخبرناك وأعلمناك، وأصل هذا الفعل مشتق من الاسم الجامد وهو الأُذن بضم الهمزة وسكون الذال وقال -تعالى-: {فقل آذنتكم على سواء} (الأنبياء:109) و(الشهيد) بمعنى المشاهد، أي المبصر، أي ما أحد منا يرى الذين كنا ندعوهم شركاءك الآن، أي لا نرى واحدا من الأصنام التي كنا نعبدها ويجوز أن يكون (الشهيد) بمعنى الشاهد، أي ما منا أحد يشهد أنهم شركاؤك، فيكون ذلك اعترافا بكذبهم فيما مضى؛ لذلك يجب على الموحد أن يعرف قدر هذه النعمة العظيمة التي وفقه الله إليها ويشكر الله عليها، ويسأله -سبحانه- أن يحفظها ويديمها ولا يموت إلا عليها.